من نعم الله -عز وجل- على المسلم والمسلمة أن يبلغهما شهر رمضان، لأن رمضان موسم للبركة والخير والأجر، وكثير من الناس حرم بلوغ شهر رمضان بالموت، وأكثر منهم حرم من شهر رمضان بسبب موت قلبه رغم أن اسمه لم يدرج بعد في سجل الوفيات؛ لأن قلبه في رمضان معلق بنجوم الفن والإغراء لا بنجوم السماء والصفاء، قلبه معلق بالسهرات الراقصة لا بالتسبيحات الصادقة، قلبه مع حفلة العيد الصاخة لا بصلاة العيد الجامعة. ولذلك يحرص الصادقون من الصائمين والصائمات على أن يكون هدفهم وغايتهم في رمضان هو الفوز بأكبر قدر من الجوائز الربانية الرمضانية، فتجدهم قد استعدوا لذلك، فخططوا ورتبوا أمورهم، كيف يستفيدون لأقصى حد من الوقت المتاح للمسابقة وهو 30 يوما فقط! فجدول الأولويات مرتب وهناك خطط بديلة للطوارئ عزومة، أزمة سير، زحمة السوق، زيارة مفاجئة- وذلك كله لتقليل الخسائر وجني أكبر قدر من الأجور والجوائز مع الأمل بالجائزة الكبرى: العتق من النار والقبول في ليلة القدر. ومن أجل أبواب الطاعات وكسب الأجور والحسنات وضمان الجوائز في رمضان عليك بتدبر القرآن، فشهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن" رواه البخاري، وفي العام الذي توفي فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، دارسه جبريل - عليه السلام - القرآن مرتين. وقد فهم الصحابة والتابعون والأئمة هذه الحقيقة، حقيقة أن رمضان شهر القرآن، فكان عثمان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة في رمضان، وكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على قراءة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. وطبعاً لم تكن قراءة هؤلاء الأئمة قراءة بلا تدبر كما نشاهد اليوم، بل كانت قراءة تدبر وفهم لكلام الله - عز وجل - المعجز، والذي أنزله الله ليكون نبراساً وهداية للبشرية في دينها ودنياها، (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) [المائدة، 15- 16]. ولكننا اليوم أصبحنا بحاجة لمعينات متعددة على تدبر القرآن، وذلك نتيجة لضعف المناهج التعليمية في مدارسنا والتي لا تمكن الطالب المسلم أو الطالبة المسلمة من قراءة القرآن بشكل صحيح أولاً، ولا تمكنهما من تذوق اللغة العربية ومفاتيح أسرارها، ولذلك تجد كثيراً من المسلمين والمسلمات لا يفهم قسماً كبيراً من مفردات القرآن فضلاً عن أسرار البلاغة والتركيب في الجملة القرآنية! ولما كان الإقبال على قراءة القرآن في رمضان أصبح منتشراً ولله الحمد أصبح من الواجب اليوم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي تدبر القرآن من أجل استخراج كنوزه وقيمه وقواعده وعظاته لتكون نبراس الحياة للمسلم والمسلمة، خاصة ونحن نشهد بداية التمكين لأهل القرآن في الأرض. فمن المقترحات العملية لتدبر القرآن، ما يلي: 1- قراءة تفسير جزء من القرآن كل يوم من تفسير مختصر، وأنصح أن يكون من التفسير الميسر أو زبدة التفسير، أو تفسير السعدي، وهي تتوفر مطبوعة في السوق وإلكترونية مجاناً في الإنترنت. 2- قراءة تفسير مطول للقرآن، بحيث تكون البداية في رمضان، فيضع المسلم والمسلمة خطة لقراءة تفسير مطول كامل للقرآن في ستة شهور أو على الأكثر سنة، من رمضان لرمضان. 3- قراءة كتاب خاص بتدبر بعض آيات القرآن، مثل: * كتاب (قواعد قرآنية) 50 قاعدة قرآنية في النفس والحياة، للدكتور عمر المقبل، وهو كتاب يصلح للتدريس في البيت والمسجد والتجمعات الشبابية، حيث يهدف لترسيخ 50 قاعدة قرآنية في وجدان المسلم والمسلمة، لتكون منطلق تصرفاته وسلوكياته، وبذلك يكون القرآن دستورنا فعلاً. * كتاب (في إشراقة آية)، للدكتور عبد الكريم بكار، وهو وقفات مع 34 آية والبحث في معانيها وانعكاساتها على واقع المسلمين اليوم، مما يفتح الآفاق أمام الذهن المسلم للبحث عن كنوز القرآن الكريم في علاج قضايانا أو منهجية التفكير فيها على نور من هدايته. * كتاب (مجالس القرآن)، للدكتور فريد الأنصاري - رحمه الله -، وهو كتاب ماتع لمن يحب التحليق في عالم القرآن الكريم، فالمؤلف صاحب قلم سيال وذوق أدبي رفيع، كما أنه يسعى إلى أن يملك قارؤه أدوات التدبر للقرآن الكريم، من خلال ربط الآيات بالواقع وبيان موقعنا منها. 4- زيارة موقع (القرآن الكريم تدبر وعمل)، والاطلاع على منهجهم في التدريب على التدبر والعمل بالقرآن الكريم، وهم قد انجزوا تطبيق منهجهم على آخر خمسة أجزاء من القرآن الكريم، وقريباً ينشر منهجهم للأجزاء الخمسة التي تسبقها، ومنهجهم عملي وبسيط، وهو متاح مجاناً لكل الناس. 5- مطالعة بعض الكتب القيمة والجديدة والتي تسعى لترسيخ ثقافة التدبر أو تقديم برامج عملية من خلال التدبر. فمثلاً كتاب (أفلا يتدبرون القرآن)، للدكتور ناصر العمر، يسعى لشرح مفهوم وأهمية ثقافة تدبر القرآن الكريم، وآليات التدبر، وثمار التدبر. أما كتاب (البرنامج العملي لبناء المسلم القرآني المعاصر)، للدكتور إبراهيم الديب، فهو كتاب يهدف إلى تقديم برنامج تدريب عملى لمدة 30 ساعة تدريب، توزع على 15 لقاء، للوصول إلى التخلق بقيم وأخلاق القرآن الكريم بشكل تدريجي بما يواكب طبيعة المجتمع اليوم. 6- البحث عن برامج خاصة بالقرآن الكريم في القنوات الفضائية ومتابعتها طوال شهر رمضان. 7- استغلال وقت الذهاب للعمل والعودة، بسماع برامج تفسير في السيارة من خلال جهاز الآيبود، سواء كانت لكل القرآن أو لبعض السور، وفي موقع (طريق الإسلام) قسم لدروس التفسير يحتوي على أكثر من ألف محاضرة في التفسير، للعديد من العلماء والدعاة، كما أن موقع العلامة ابن عثيمين يحتوي على مئات دروس التفسير له. وختاماً:ليضع كل منا هدفاً بأن يحقق انجازاً قويا بخصوص تدبر القرآن الكريم في شهر رمضان هذا، وأحسن من هذا إشراك العائلة والأصدقاء في التحدي والإنجاز..