(كلام عابر) ابراهيم ديساي جمعتني به ظروف العمل ثم تطور الأمر مع مرور السنين التي تجاوزت ربع القرن إلى علاقة أسرية دافئة وأواصر وثيقة من الود المتبادل. لم تنقطع صلتي به بعد عودته لوطنه بعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمان من العمل في السعودية، جاء مرة واحدة معتمرا لكنه طار من كراتشي إلى جدة ثم عاد إلى كراتشي مباشرة، ولكني التقيته قبل أكثر من عشر سنوات وأمضيت ليلة في ضيافته في منزله في كراتشي. قال لي انه احتاج إلى وقت طويل لكي يعود مرة أخرى إلى مجتمعه السندي لكنه عاد وهو يحمل معه الكثير من العادات العربية التي لم يستطع أن يتخلص منها. هذه العادات كما قال لي بأسلوبه الساخر من بينها استخدام حركات اليد والإشارة أثناء الحديث ، والتحدث بصوت عال أحيانا مع الآخرين وتطويل الحديث والكلمات بدلا من المختصر المفيد المباشر. تعود جذور ابراهيم يوسف هشام ديساي إلى الهند وقد هاجرت أسرته من الهند في مطلع الاستقلال مكونة مع ملايين غيرهم في باكستان مايعرف بقبيلة المهاجرين التي ينتمي إليها الرئيس الباكستاني السابق برفيز مشرف. باكستان ما تزال القبلية مسيطرة فيها وما تزال تقسيمات سندي وبنجابي ومهاجر وباتاني وغيرها من المصطلحات العرقية تسيطر على المجتمع. كنت أقول له مازحا ان جدهم ديساي الكبير كان هندوسي العقيدة ولكن سلالته اعتنقت الاسلام بعد الهجرة إلى باكستان. كان شديد التدين والتمسك بأصول وقواعد الدين دونما تشدد أو إفراط وكان شديد الكرم وكثيرا ما كان يتحفني بعد عودته من كراتشي إلى الدمام بهدية من المصنوعات الجلدية والقطنية الباكستانية الشهيرة .كان شديد السخرية كثير المرح والود لكل من عرفوه. كان يحلو له القول بأنه رغم سنوات عمره الطويلة التي أمضاها في العمل في السعودية فلم يتمكن من توفير الأموال أو إقامة مشروع بخلاف داره الأنيقة الصغيرة في كراتشي ، ولكنه عوضا عن ذلك وخيرا منه أفلح في إقامة أربعة مشاريع ناجحة لم يفلح في إقامة مثلها الآخرون وهي انجاز عمره. هذه المشاريع الناجحة ولدان وبنتان . طبيب وطبية ومهندس ومهندسة، نجحوا جميعهم في الدراسة وفي العمل وتزوجوا ولكنهم هاجروا للولايات المتحدة وكندا. عندما اتصل بي أحد أصدقائه في كراتشي ليبلغني نبأ رحيله المفاجيء إثر نوبة قلبية في منزله، وان تشييع الجثمان سيتم بعد وصول ابنائه من الخارج.أحسست بالحزن الشديد لرحيل ابراهيم ، وكان يحدثني قبلها بأيام قليلة وهو يستفسرني عن طلب ابن صديق له للعمل في السعودية وكنت أتابع أوراقه. كعادته دائما كان يحمل هموم الآخرين حتى وهو مصاب بسرطان الدم ويستعد للحاق بأبنائه لتلقي العلاج في أمريكا. قال لي إن الأعمار بيد الله لا شك في ذلك ولكنه يحس بأن نهايته لن تكون على يد سرطان الدم ولكن الأمر لا يفرق كثيرا لأن الموت في النهاية هو الموت. حزنت لرحيل صديقي العزيز ابراهيم ديساي وحيدا مع زوجته في كراتشي في حي قلشان اقبال وكل مشاريعه الأربعة الناجحة بعيدة عنه في مهاجرها وراء البحار تطارد الأحلام وتسعى لتحقيق الذات وهي سنة الحياة. أدعو القاريء الكريم أن يترحم معي على روح ابراهيم يوسف هشام ديساي صديقي العزيز والوحيد في كل شبه القارة الهندية. طيب الله ثراه وأسكنه فسيح الجنان. عبدالله علقم بريد إلكتروني [email protected]