ادفع 650 ألف يورو تصبح مالطيا فاليتا - تعتبر مالطا من أقرب الدول الأوروبية إلى العرب، ومردّ ذلك لا فقط القرب الجغرافي والتقارب التاريخي واللغوي، بل أيضا باعتبارها جواز سفر يفتح لحامله أبواب أوروبا. وفيما تعتبر مالطا، التي تقع بالقرب من السواحل الإيطالية جنوبا، مرسى الأحلام الذي يتحطم عنده قارب "الحرّاقة" والمهاجرين غير الشرعيين، فإن لها شهرة أخرى عند الأثرياء العرب ورجال الأعمال والمهاجرين ميسوري الحال، تتجاوز بعدها السياحي، إنها البلد الذي "يبيع جنسيته". إلى غاية سنوات قليلة ماضية لم تكن مالطا معروفة لدى جانب كبير من العرب، باستثناء التونسيين والليبيين، نظرا للقرب الجغرافي والتاريخي بينها. وقلّة قليلة كانت تعرف أن مالطا، هذه الجزيرة الكاثوليكية المحافظة كانت قبل قرون جزيرة عربية إسلامية بالكامل، على عكس الأندلس، حيث بقي قسم كبير من السكان مسيحيا وغير ناطق باللغة العربية. وتبدو تأثيرات الفترة العربية الإسلامية، التي استمرت أكثر من 3 قرون، حاضرة بقوة في المعمار وفي الأكل وفي ملامح البعض من سكانها والرقصات وأسماء الأماكن التاريخية، وخصوصا في اللغة المالطية التي تبدو قريبة إلى العربية رغم أنها تكتب بالأحرف اللاتينية؛ فحوالي 60 بالمئة من الكلمات المالطية مشتقة من العربية والباقي من الإيطالية والصقلية والإنكليزية. وعلى المستوى السياحي تعدّ مالطا، التي لا يزيد عدد سكانها على 400 ألف نسمة، من أجمل بلدان المتوسّط منحها الجمع بين الخصوصيات الإيطالية والأسبانية والعربية والإنكليزية إلى جانب مناخها المتوسّطي وشواطئها طابعا خاصا. لكن، ليست هذه فقط عوامل الجذب نحو هذه الجزيرة التي لا تكاد ترى بالعين المجرّدة على الخارطة لصغرها، فهناك عامل آخر لا يقلّ أهمية، بل وبات يحتلّ صدارة أسباب الاهتمام العربي والآسيوي بمالطا، إنه برنامج المستثمر الفردي، الذي يمكّن الراغبين في الحصول على الجنسية المالطية من ذلك بمقابل مادي. لا يحتاج الراغب في الحصول على الجنسية سوى تعبئة استمارة لأسباب أمنية وحيازة مسكن (شراء أو كراء) ودفع مبلغ مادي قدّر في بداية إطلاق البرنامج بحوالي 650 ألف يورو. وقد تم تقديم برنامج مالطا للمستثمر الفردي في أواخر 2013. ويمنح البرنامج الأفراد والأسر أصحاب الثروات ورجال الأعمال، من جميع أنحاء العالم، الجنسية المالطية. ‘إلى غاية مايو 2016 تقدم أكثر من 100 من الأفراد والعائلات من الخليج وشمال أفريقيا للحصول على جوازات سفر مالطية' ووفق موقع "الهجرة إلى مالطا" تقدّم، حتى مايو 2016، أكثر من 100 من الأفراد والعائلات الثرية من منطقة الخليج العربي وشمال أفريقيا للحصول على جوازات سفر مالطية. وتمنح الجنسية الثانية في مالطا المستثمرين سهولة أكبر في التنقل الدولي، بالإضافة إلى زيادة الحرية الشخصية والاقتصادية والقدرة على العيش والعمل في أيّ بلد بالاتحاد الأوروبي ودخول كندا وأميركا وسويسرا بلا تأشيرة. ويشمل هذا البرنامج العائلة المرافقة لصاحب الطلب حيث يمكنه إضافة الشخص مع تكلفة إضافية تساوي 25 ألف يورو للأطفال أقل من 18 سنة و50 ألف يورو لمن هم بين 18 و25 سنة. وكان هذا البرنامج محلّ انتقادات حادة من البرلمان الأوروبي الذي رفض أن تكون مواطنة الاتحاد الأوروبي سلعة للتداول وطالب بتغيير هذا النظام. وفي محاولة لاسترضاء الأوروبيين اضطرت فاليتا إلى إجراء تعديلات في العديد من المرات على البرنامج. ومن بين التعديلات إثبات المتقدم للحصول على الجنسية أنه أقام في مالطا لمدة 12 شهرا "إقامة فعلية". ويخوض الحزب الوطني المالطي تحديا أمام المحكمة من أجل الحصول على حق التصويت لعدد من المتقدمين للحصول على الجنسية، والذين يقول إنهم لم يعيشوا في مالطا لفترة لا تقل عن ستة أشهر. كما قامت السلطات المالطية في عام 2011 بغلق برنامج بيع الجنسية لعدد من الدول على غرار إيران، إثر تحذيرات دولية من إمكانية استغلال الإيرانيين لهذه البرامج للدخول إلى الولاياتالمتحدة أو إجراء أعمال غير شرعية وتجاوز العقوبات التي كانت مفروضة عليها. وتسعى مالطا من خلال هذا البرنامج إلى جذب المستثمرين، وهي تتنافس مع دول أخرى في هذا السياق، مثل قبرص والمجر والنمسا وغرينادا وجزر القمر وغيرها؛ لذلك قرّرت السلطات المالطية أن تدعم برنامجها الاستثماري بتوفير فرص الحصول على الإقامة الدائمة للمستثمرين الذين لا تنطبق عليهم شروط الحصول على الجنسية. وأظهرت رسائل بالبريد الإلكتروني كشفتها أوراق بنما كيف أن مكتب محاماة وجه نصيحة إلى أحد العملاء بأن برنامج الجنسية المالطية هو "الأسرع". ولدى دخولهم إلى مالطا للمرة الأولى، يُمنح المرشحون تصريح إقامة سريع المسار يخول لهم الحصول على تأشيرة شينغن. وقد نجحت مالطا في استقطاب أكثر من 330 مليون دولار خلال ستة أشهر عن طريق برنامج المستثمر الفردي. الاستثمار مقابل مواطنة أوروربية مكتملة الحقوق وبدأ العديد من المتقدمين لبرنامج المستثمر الفردي باستئجار العقارات في مالطا، وصاروا يفكرون في الشراء، كما أن الاهتمام بالاستثمار كان على أوسع نطاق، من فنادق وعقارات، إلى مصانع، وتكنولوجيا المعلومات وصناعة السينما. وقال وزير العدل أوين بونيسي ردا على سؤال تم طرحه في البرلمان الشهر الماضي إنه بحلول نهاية شهر أبريل الماضي، بلغت مصاريف إيجار 116 شخصا من المتقدمين لطلب الحصول على جوازات "استثمار" 12.2 مليون يورو على مدى فترة خمس سنوات. وقال بونيسي إن 27 متقدما جديدا اشتروا عقارات بإجمالي "استثمار" يبلغ 25.4 مليون يورو. لكن، رغم الفوائد الاستثمارية لا تخلو برامج بيع الجنسية وجوازات السفر الأوروبية، من مخاطر وتداعيات، زادت من حدّة الجدل بشأنها الأوضاع العالمية المضطربة وارتفاع نسبة التهديد الإرهابي والهجرة غير الشرعية، خاصة أن تعدد هذه البرامج والتنافس عليها جعلاها في متناول الجميع. ويقول مندريس كندان، الباحث في سياسة الهجرة "في الوقت الذي يوجد فيه من ناحية أشخاص أغنياء يمكنهم ببساطة شراء الجنسية، هناك عدد كبير من اللاجئين في مالطا، يحاولون عبثا دخول هذا البلد، وظروفهم سيئة جدا". ويعتقد مندريس كندان، في تصريحات لوكالة دوتشي فيلله الألمانية، أن سكان مالطا سيتضررون من مسألة بيع جنسية بلدهم، ويقول "الجنسية ليست حقوقا فقط ولكن التزامات أيضا"، في إشارة إلى قوانين الضرائب. أما يان فيليب ألبرشت، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر، فيذكر بأن هناك أناسا بما فيه الكفاية، يعيشون داخل دول الاتحاد الأوروبي، وينتظرون الحصول على الجنسية.