(1 ) كما هو معلوم أن مشروع الجزيرة، قد قام على العمل المأجور إذ أن مساحة الحواشة (40 فداناً) لا تتيح للمزارع وأسرته القيام بكل الأعمال الفلاحية, خاصة إزالة الحشائش وجني القطن (الحش واللقيط) فكان لابد من عمالة، وبما أن الجزيرة كانت فقيرة السكان يومها تم استجلاب العمالة من خارجها خاصة من غرب السودان وغرب غرب السودان, وكان بعض العمال موسمين وبعضهم أقام بصفة دائمة فأنشأت الإدارة الإنجليزية لهم (الكنابي) وسط الحواشات، وكانت تمنعهم من البناء بالمواد الثابتة ولا تملكهم حتى قطعة الأرض التي تقام عليها الراكوبة, إنما ملكتها للمزارع. فأصبحت هناك قرى المزارعين والكنابي وكانت كلها تجمعات سكانية فقيرة, وبمرور الزمن ومع التطور الذي أحدثه الاستقرار الطويل، تطورت قرى المزارعين وتطورت الكنابي ولكن بدرجة أقل لأنها محرومة من مال الخدمات الاجتماعية الذي خصص لقرى المزارعين فقط. فاليوم العلينا دا مجموع قرى المزارعين بلغ اربعمائة قرية, بينما قرى العمال بلغ عددها أكثر من ألف قرية متفاوتة الحجم ، أما من حيث السكان فيقدر ان هناك ثلاثة ملايين لكل نوع من القرى، ولكن نسبة التكاثر في قرى العمال أكبر ففي خلال العشر سنوات القادمة ستكون المعادلة قد تغيرت . قرى العمال واكتظاظها بالسكان يمكن ان يكون إضافة مقدرة للأوضاع الجديدة المنشودة، ويمكن ان يكون قنبلة موقوتة تفجر كل شيء في حالة ظهور تضارب مصالح بين النوعين من القرى. (2 ) هؤلاء الذين يقطنون قرى العمال أصبحوا جزءاً أصيلاً من التركيبة السكانية في الجزيرة, فإن اتى أسلافهم من خارجها بيد ان السكان الحاليين هم الجيل الثالث أو الرابع ولا يعرفون لهم وطنا غير الجزيرة فلابد من أن يميزوا تمييزا إيجابيا بان تقدم لتلك القرى كل الخدمات من ماء عذب وتعليم وصحة, وكل ما يقدم لقرى المزارعين حتى اذا دعا الأمر لتجميعهم في تجمعات أكبر، فليس هناك حاجة اليوم لوجودهم وسط الحواشات، ولابد من سياسة تجاه هذه القرى تمنع نشوء أي غبن محتمل. أما علاقتهم بالحواشات فسوف يكونون مثلهم ومثل بقية سكان الجزيرة, فقد قلنا سابقا إن عدد سكان الجزيرة ستة ملايين، والذين يملكون الحواشات لا يزيد عددهم عن المائة وعشرين ألف مزارع، فسكن الجزيرة لم يعد مرتبطاً بامتلاك الحواشة، وإن كان ازدهار المشروع وتطوره سوف ينعكس على كل السكان في الجزيرة إذ سوف يزدهر قطاع الخدمات ولن يقل عن قطاع الإنتاج. فالثراء والرفاهية عند المشتغلين في قطاع الخدمات قد تكون أكبر من تلك عند المزارعين أنفسهم، فالفروقات الشخصية هنا سيكون لها الدور الأكبر. (3 ) مما يدعو للتفاؤل بمستقبل التركيبة السكانية في الجزيرة ان التداخل في الأتراح والأفراح والرياضة الآن بين قرى العمال وقرى المزارعين على أشده، إذ تقاربت القرى بدرجة كبيرة, وبعض القرى أصبحت مقسومة بين الطرفين والعلاقات يسودها الاحترام, ولكن لن نقول انها وصلت مرحلة التدامج . والذي يدعو للتفاؤل أكثر ان معظم قرى العمال قد أصبحت بها مدارس اساس وبدرجة أقل التعليم الثانوي , كما ان الاتجاه للجامعات ازداد بينهم بصورة لم تكن موجودة من قبل, فأصبح فيهم الطبيب والمهندس والأستاذ والقاضي (هؤلاء اقتنوا سكناً في المدن او قري المزارعبن لكن ظلوا مرتبطين بأهلهم ). كما أصبح بينهم الأثرياء وملاك الحواشات عن طريق الشراء، فهناك مكاتب معظم مزارعيها جاء أسلافهم عمالا للمشروع وتشكلت لديهم روابط للنهوض بقراهم، نذكر منهم رابطة القرى الأقل نمواً في الجزيرة. (4 ) صديقي الدكتور صديق محمد أحمد مضوي وشخصي قمنا بدراسة قبل عدة سنوات عن التركيبة الإثنية في الجزيرة، اكتشفنا فيها أن هناك علاقة رأسية متطورة بين أثرياء قرى المزارعين وأثرياء قرى العمال، وهذا يبشر بعلاقة جديدة على أساس طبقي, وهذا يعني أنه اذا ما تحول المشروع الى مشروع ربحي وأصبحت الحواشة منشأة تجارية enterprise)), سوف ينتهي الارتباط العاطفي و(شم الواطا دي واطة جدك) مما يتيح التدامج المنشود بين كل المكونات الإثنية في الجزيرة. ولهذا الحديث بقية اذا امد الله في الاجال