(1 ) تحدثنا عن تركيبة الجزيرة السكانية، ولم نرسم صورة قاتمة لمستقبل هذه التركيبة ولاصورة وردية، فالباب مفتوح لكل الاحتمالات، فإذا أحسنا إدارة التنوع الإثني سيكون هذا التنوع خير وبركة، وإذا تناسيناه او أنكرناه سوف ينفجر في وجوهنا يوما ما، وقد يتسآءل القارئ الكريم لزوم الكلام عن التركيبة الاثنية، في الجزيرة شنو؟ لزومها إننا نتحدث عن مستقبل مشروع الجزيرة، وبالتالي لابد لنا من اصطحاب كل نقاط القوة ونقاط الضعف ولابد من استغلال كل الفرص والتحسب لكل المهددات عليه يصبح كلامنا عن التركيبة السكانية في الجزيرة أمر في غاية الاهمية . نعم الجزيرة ليس فيها قبلية لقد انتهت القبلية لأن المشروع غير البنية التحتية التي كانت تقف عليها القبيلة فأصبحت حقوق وواجبات الفرد مرتبطة بالمشروع، وليس للقبيلة أي شئ تقدمه له فلم يبق منها إلا الإنتماء العاطفي الذي يستغله بعض طلاب الزعامة. والمعلوم ان المشروع في سبيل بحثه عن العمال استجلب أناس كثر من خارجه ولحسن الحظ أو سوئه كان معظم هؤلاء إن لم نقل كلهم قادم من جهة واحدة ولكن من قبائل مختلفة فأصبحت هناك إثنية جديدة اكتسبت المواطنة الكاملة غير المنقوصة فالكل يجمعهم وطن واحد وهو السودان عليه فان خلت الجزيرة من القبلية العملية إلا أنه يوجد بها تباين عنصري وإن شئت قل عرقي ،ليس هناك تفرقة عنصرية في الجزيرة بقانون أو بغير قانون ،ولكن هناك تمايز وتفاوت بين العناصر المكونة لمجتمع الجزيرة فأي إنكار لهذه الحقيقة لامحل له من الإعراب، لقد أضحت القرية هي الوحدة الاجتماعية، قرية مزارعين كانت أم قرية عمال زراعيين، ولكن بين هاتين القريتين فوارق وتمايزات أشرنا إليها. (2 ) يمكن أن نقول كل شئ هادئ في الجزيرة الآن فيما يتعلق بالعلاقات الإثنية في مجتمع الجزيرة، ولكن هذا لا يمنع من ذكر بعض المحفزات لمستقبل العلاقات وبعض المخاوف وبالأمس قلنا إن التداخل والتقارب من ناحية اقتصادية واجتماعية يجري بخطوات معقولة بين قرى المزارعين وقرى العمال ولكنه لم يصل مرحلة التدامج بعد. نعم هناك عدد من المزارعين تزوجوا من قرى العمال وفي حالات نادرة حدث العكس فهذا يؤشر إلى أن التدامج وإن كان غير موجود إلا أنه ليس مستحيلا، فالتخطيط المستقبلي السليم سوف يحدث التدامج لا محالة وفي نفس الوقت حدثت أحداثا جنائية ظهر فيها اصطفاف عرقي كحادثة مكركا وحادثة الهبيكة كما ظهرت بوادر اصطفاف سياسي على أساس عرقي. كل هذا يؤكد ما ذهبنا اليه من ان الباب مفتوح لكافة الاحتمالات فطالما أن هذه العلاقة هادئة فلابد من استغلال هذا الهدوء للتخطيط السليم والنظر لمستقبل مشرق يعم خيره الجميع ولابد من التحسب لاصحاب الأجندات المدمرة من داخل الجزيرة والسودان أو من خارجهما. وبهذه المناسبة أذكر انه عندما ظهرت دراسة البنك الدولي لتطوير الجزيرة قبل حوالي عشرين عاما، وقد افردت حيزا كبيرا لوضع العمال الزراعيين علقت عليها في الصحف ووصفتها بأنها توصيات فتنة لأنها قامت على دراسة نظرية ليست من الواقع، فرفض الأستاذ/ سيد زكي (أول وزير مالية في الإنقاذ) والذي كان من واضعي الدراسة ما قلته، فحدثت (شمطة ) بيننا فتدخل (بلدياتنا) الدكتور محمد عبدالقادر آدم وقد كان قريبا من تلك الدراسة وأصلح بيننا مشكورا. (3 ) مشروع الجزيرة بعلاقات إنتاجه المتكلسة الحالية (الحمد لله بدأت تتغير كما أشرنا في المقال الأول من هذه السلسلة) ولكن إذا ظلت على تكلسها الحالي فإن المشكلة العنصرية لامحالة قادمة قادمة .. فتضارب المصالح في لمجتمعات الرخوة سهل الحدوث ولكن إذا تطورت الأوضاع وأصبح المشروع منشأة اقتصادية تجارية ربحية فإن الاصطفاف العنصري سوف ينتهي ويظهر الاصطفاف الذي تتحكم فيه المصالح الفردية لا بل الاصطفاف الطبقي وسوف تتراجع أهمية العرق ويحدث التمازج والتدامج المنشود والذي سوف يساعد على ذلك أن هذا السودان في حقيقته العرقية ( لحم رأس) وليس فيه نقاء عرقي ولن يكون فيه إلي يوم الدين، هنا نذكر بالخير نظرية أو فكرة العالم الجليل البروفسير جعفر ميرغني (الاشتهاء العاطفي). بس خلاص