في وثيقة الإعلان الدستوري التي توافقت عليها قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري إشارة إلى أن مسألة التقسيم الإداري للبلاد متروكة للحكومة القادمة ، أن تدير البلاد بما تراه مناسباً لحين البت النهائي في المؤتمر الدستوري المزمع عقده في نهاية الفترة الانتقالية .. وفي الجانب العسكري قالت الوثيقة بتبعية (قوات الدعم السريع) للقائد العام للقوات المسلحة .. التقسيم الإداري للبلاد له أهمية بالغة إذ هو أساس الحكم في كل الأحوال ؛ مركزي ، لا مركزي أو فيدرالي ، ولذلك لا يجوز تركه للتجربة والخطأ والصواب . نعم ، خصوصية الظروف السياسية التي تمر بها البلاد ، ظروف إعادة تأسيس الدولة وأجهزتها ومناهجها ، تقف وراء تأجيل البت في الأمر وتركه "مؤقتاً على ما أظن" للحكومة وتجربتها وحكمتها .. كان نظام الإنقاذ(الاسلاموى) البائد هو الذي تجرأ بتقسيم وإعادة تقسيم المقسم للأقاليم التي ورثها عن الأنظمة السابقة له ، وكان يستهدف بتقسيم البلاد إلى ولايات صغيرة أولاً توسيع قاعدته الاجتماعية بجيوش الحكام والوزراء والنواب في ولايات كثيرة (من اسماهم بالدستوريين) وأهاليهم وقبائلهم ، وثانياً ، لفرض الجبايات الكثيرة عليها لمصلحة تلك الجيوش ، وثالثاً ، لسهولة السيطرة الأمنية على الوحدات الصغيرة عكس الولايات أو الأقاليم الكبيرة التي تصعب السيطرة الأمنية أو فرض الجبايات الكثيرة عليها .. الأقاليم أو المديريات التسعة (حسب التسمية القديمة) وباحجامها وحدودها الأصلية "اصبحت ستة بعد انفصال الجنوب بمديرياته الثلاث" ، قام البريطانيون بتقسيمها واعتمادها كمديريات وفق دراسات ادارية ، اقتصادية ، سياسية ، بيئية واجتماعية دقيقة ، ولذلك نقترح على حكومة الثورة الانتقالية أن تعتمد تلك التقسيمات القديمة بحدودها سواء كمديريات أو ولايات ، وسواء شكل الحكم مركزي ، لا مركزي أو فيدرالي ، طالما كانت الحوجة قائمةً للتقسيم الإداري وسيلةً سياسيةً واقتصاديةً وتنظيمية لتسهيل نقل سلطة التخطيط والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لإدارات محلية في مختلف أنحاء القطر .. هذا الاقتراح ينسجم كذلك مع ضرورات التقشف والتقليل الشديد للإنفاق الحكومي .. أما موضوع (قوات الدعم السريع) وتبعيتها للقائد العام للقوات المسلحة فإن مناقشته تتطلب الإجابة على الأسئلة الأولية البسيطة : ما هو دورها وما هي عقيدتها وضرورتها ؟ ، وقبل ذلك : من أين جاءت وماذا فعلت قبل قدومها إلى الخرطوم وتنسيبها إلى جهاز الأمن ورئاسة الجمهورية ؟ ، فالشائع عنها حتى الآن أنها هي عصابات "الجنجويد" وأنها من العصابات التي ارتكبت الجرائم المنكرة ضد الأهل في دارفور حرقاً ونهباً واغتصاباً وقتلاً وتهجيرا ، وأنها تحتوي في تكوينها على عناصر من دول غرب أفريقيا : تشاد ، النيجر ، مالي ، الكمرون ..إلخ .. نقر أولاً أنها الآن أمر واقع ؛ فإلى متى ستكون كياناً عسكرياً قائماً بنفسه بغض النظر عن تبعيته ؟ فالقرار أن يكون في السودان جيش واحد وبالتالي لا بد من دمجها في القوات المسلحة والنظامية الأخرى مستقبلاً .. إذن علينا (وفي إطار التحقيقات الجنائية)أن نحقق أيضاً فيما ينسب اليها من جرائم في دارفور "واحتمال في الخرطوم أيضاً" ، وبعد الإجراءات العدلية اللازمة أن يتم فحصهم لتحديد من هم غير سودانيين لتخييرهم بين العودة إلى أوطانهم أو البقاء مدنياً في السودان بمعنى أن يبقى بعيداً عن (قوات الدعم السريع) وأي قوات نظامية أخرى ، وبعد ذلك تجري ، للراغبين ، عمليات الدمج والاستيعاب في القوات المسلحة والنظامية الأخرى على أن يخضعوا لدورات تعليمية ، تدريبية ، وتأهيلية ، حسب نواقص كل فرد منهم كأساس للدمج .. في هذا اليوم الرابع من أغسطس 2019 تشتد الذكرى والشوق والدعوات بالرحمة والمغفرة للرواد المناضلين الذين تاقوا لمثل هذا اليوم : محمد علي جادين محمد إبراهيم نقد الصادق سيداحمد شامي أمين مكي مدني التجاني الطيب بابكر علي محمود حسنين يوسف حسين محمد الأمين