قوى الثورة المضادة من أهل الحركة الإسلاموية وحلفائهم تنتشر في كل مكان ومرفق ؛ من مراكز توزيع الدقيق والمخابز إلى مواقف المواصلات ووسائلها ، ومن مراكز توزيع الكهرباء إلى محطات المياه ، من أرفف الدواء ومخازنها إلى تناكر وصهاريج الوقود ، وإلى مواقع المعرفة ومصادر الاستنارة في اجهزة الإعلام وأسافير المواقع الإلكترونية ، وإلى كل مصادر حياة الناس ، ولو وجدوا طريقاً لمصادر الهواء لتوجهوا اليها تخريباً وحظرا .. ورغم غرابة الذي يقومون به أمام النفس الإنسانية إلا أن هذه الغرابة والدهشة المرافقة تتبددان عندما نعلم غرابتهم وغربتهم ، نفساً وذهناً ، عن البشرية السوية في سموها وطاقات المحبة فيها ، فقط الغرائز في درجاتها الدنيا المنحطة هي التي تحكم سلوكهم ، مواقف وتصرفات ، غرائز المتع والتملك والاكتناز على حساب كل شئ وكل قيمة ، لا أوطان يعشقونها توجعهم أوجاعها فتسمو بأرواحهم ، ولا فقراء وكادحون أو معدمون ومعاقون يثيرون إشفاقهم فيحيا الإنسان في دواخلهم بهم .. سقوط دولتهم بعث فيهم لوثات من الجنون والذعر لتنحط غرائزهم أكثر وأكثر فتتجه إلى التخريب والتضييق على الناس فوق التضييق الذي كانوه ، لإثارة الفتنة وروح الارتداد عند الجماهير .. شق عليهم استيعاب الذي حدث على حقيقته وأنه حدث نهائي لا عودة لأثمانه من الأرواح العزيزة فلا عودة عنه .. ذاك سلوكهم في تعويق الثورة وتخذيل الناس ، وهو سلوك من طبيعتهم ، من طبيعة الأشياء يجب أن نعلمه جيدا ونتوقعه أيضاً ، فلماذا التردد والتشكيك وسط جمهور الثورة الأصيل ؟ أسئلة الاستغراب وعدم اليقين يميناً ويساراً ؛ لماذا .. ولماذا .. ولماذا ؟ عن اعتقال رموز وحلفاء النظام البائد ومحاكمتهم ، عن بناء الأجهزة العدلية المختصة بذلك (مؤسستي القضاء والنيابة العامة) ، عن استكمال أجهزة الحكم الانتقالي ، وأنواع من التندر والاستخفاف بالوثيقة الدستورية .. إلخ....إلخ ؟؟ هذه الغيوم من "البلبلة" من بعض القوى القائدة للثورة ، بعض كيانات قوى الحرية والتغيير ، كتاباً وسياسيين ومدونين في الشبكة العنكبوتية ، هدر للطاقات وتبديد للقدرات ، فمثلاً إذا صرح السيد الصادق المهدي تصريحاً سلبياً أو اتخذ موقفاً غير مرض ، يكن طبيعياً أن يرفضه الناس ويناقشه البعض (كتابةً وشفاهةً) ، أما أن يكون ذلك شغلاً شاغلاً للجميع ومدخلاً للإساءة إلى كتلة (نداء السودان) والإشارة إلى الإدعاء الكاذب "الهبوط الناعم" الملتصق "صناعياً" به ، فهو غير صحيح وفيه تشتيت للطاقات .. مثل آخر ، من قضية السلام ؛ القناعة الطبيعية هي أن أي حركة مسلحة ستجد نفسها وأهدافها في هذه الثورة وبالتالي لن تنتظر غير بعض الإجراءات (الشكلية) لتهرول إلى البلاد وتلتحق بمؤسسات الثورة ومفوضية السلام للعمل مع الآخرين على تنزيله (السلام) لأرض الواقع .. أي أنها لا تحتاج إلى عقد الاجتماعات الطويلة وفحص المبادرات والتجول بها في دول الإقليم ، والتباحث حول وقف تعيينات كذا وكذا أو فتح المجلس الفلاني والفلاني ، الذي يهم النازحين واللاجئين وعموم المهمشين أن يروا القائد فلان والقائد فلان من قيادات الكفاح المسلح بينهم ، ينظمون لهم وسائل العودة إلى قراهم وترتيب أمور معاشهم والإشراف على عمليات تعويضهم التعويض المادي المجزي ، وذلك أكثر من أن يروهم في المجلس الوزاري أو السيادي ، دون أن ننفي حقهم في ذينك المجلسين أيضاً ولكننا نتحدث عن الأهم وعن الأولويات ، وعن التسهيل والدعم بديلاً للإنهاك والتشتيت .. وبالعودة إلى موضوع الوثيقة الدستورية وتشكيل المؤسسة العدلية (القضاء والنيابة العامة) نقول أن الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء هو الجهاز التشريعي في الوقت الراهن حسب نص الوثيقة الدستورية ، وبالتالي يمكن لقوى الحرية والتغيير (مجلس الوزراء والشق المدني في المجلس السيادي) أن تطرح أي تعديل أو تصويب في الوثيقة الدستورية على طريق تعيين رئيس للقضاء ونائب عام يعبران عن روح الثورة وأهدافها ورغبات الشعب الذي سيظل في حالة استنفار دائم سلاحاً ماضياً للثورة (بمليونياته) المرعبة .. كذلك يمكن لهذا الجهاز التشريعي أن يناقش أمر المؤسسات الصناعية والتجارية والخدمية وشركات الاتصالات وتبعيتها كل منها للجهة المناسبة والصحيحة لها في الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية .. خلاصة القول أننا في حوجة لتنظيم طاقاتنا وتوظيفها بطريقة علمية مناسبة والتقدم نحو أهداف الثورة والصعود بها بثبات ، فهي المعارك الكفيلة بحفظ "مليونيات" الشعب العظيم متقدةً رهن الإشارة ، إشارة الثورة الجميلة ، فنحن خندقين واحد للثورة والآخر لأعدائها ..