تأملات ماذا أراد ضياء الدين بلال؟! كمال الهِدي [email protected] . لا أخفي عليكم أن أسلوب الصحفي ضياء الدين بلال في الكتابة كان ينال إعجابي الشديد حتى وقت قريب. . وأذكر أنني عندما قرأت له أول مجموعة من المقالات بصحيفة سودانايل قبل سنوات عديدة قلت لصديق عمل في السابق بعدد من الصحف السودانية أن هذا الرجل كتاب جداً، فجاءني رد ذلك الصديق بأن ضياء كتاب فعلاً لكنه كوز. . إلا أن ذلك لم يقلل من إعجابي بما يسطره قلمه لأن لدي قناعة راسخة بأن المرء يستطيع أن يقتطف من أي بستان زهرة، رغم أنه من الصعب جداً الربط بين فكرتي (البستنة والكوزنة). . لكنني بعد ذلك قرأت لضياء مقالات لم أشعر بأنها تحترم عقل القارئ الكريم. . وكان قاصمة الظهر مقاله الأخير الذي حمل عنوان " مصطفى عثمان ( وكيكليكس تو)!! . استفزني هذا المقال لدرجة الغضب وشعرت وأنا أطالعه بمحاولة استغفال يفوق الحد واستحقار لعقول القراء. . وبعد أن أكلمت قراءة المقال تأكد لي أن ضياء أراد اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد. . المقال لم يغفل أي شيء أكثر من المهنية العالية التي أوهمنا ضياء بأن صحيفته تقاتل من أجلها. . قال ضياء في مقاله أنه وجه زملاءه بالقسم السياسي لإجراء حوارات مع من وجدت ثرثرتهم مع طاقم السفارة الأمريكية طريقها إلى موقع ويكيليكس، ومن بينهم الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية. . وأضاف بلال أن الصحفية المكلفة بإجراء الحوار أرسلت للدكتور مصطفى المحاور العامة لمعرفة المساحة التي ستتحرك فيها الأسئلة على أن تتم المقابلة المباشرة بعد الاطلاع على تلك المحاور. . وقال ضياء أن مفاجأة غير سارة حدثت بعد ذلك هي أن دكتور مصطفى دخل ( المنطقة المحرمة ) حينما سعى لتحويل المقابلة إلى مادة إعلانية بتعامله مع المحاور على أساس أنها أسئلة مباشرة فأجاب عليها ولم يكتف بذلك بل قام بوضع أسئلة إضافية وشرع في الإجابة عليها، ثم أرسل الحوار إلى الصحفية لتقوم بنشره و" تنال أجر المناولة، ولم يدرك مصطفى أنه اختار الشخص والصحيفة الخطأ" . ومضى بلال قائلاً أن الصحفية كتبت مقدمة شرحت فيها ما حدث من دكتور مصطفى عثمان ونشرت الحوار كما هو دون حذف أو إضافة. . أكتفي بهذا القدر من حديث الأستاذ ضياء الدين بلال حتى لا أطيل عليكم، ودعونا نتأمل كلماته الواردة أعلاه بتعمق لنرى ما الذي أراده ضياء من تدبيج هذا المقال المستفز. . أولاً لابد لأي قارئ حصيف أن يتساءل: أين هو الحوار طالما أن الدكتور مصطفى استلم محاور وتعامل معها كأسئلة أجاب عليها وأضاف إليها أسئلة من عنده ثم أجاب عليها! . ولماذا نشرت الصحفية والصحيفة حديث الدكتور مصطفى طالما أنه اختار الشخص والصحيفة الخطأ حسب رأي ضياء الدين! . لو كان الدكتور مصطفى رئيساً لتحرير الجريدة وضياء يعمل كمحرر معه لفهمنا وقبلنا مثل هذا الكلام من بلال. . لكن الدكتور هو مستشار رئيس الجمهورية وليس صحفياً بالجريدة وما دام أنه قد تعجل ولم ينتظر المقابلة المباشرة كان بإمكان بلال وصحيفته أن يقولوا له ببساطة شديدة أنك تعجلت يا دكتور وأن الصحفية قادمة إليك لطرح أسئلتها المباشرة وحينها فلتقل ما تريد قوله. . أما أن يتعامل بلال وصحيفته مع الحوار المفترض الذي أرسله الدكتور للصحفية وينشرونه ثم يحاولون إيهامنا بأنهم يرفضون مثل هذه التصرفات فهو ما وجدته استغفالاً لنا. . ولا شك عندي في أن ضياء أراد أن يقنع القارئ المسكين الذي لم يعد هناك من يحترمه في صحافة السودان بشتى ضروبها، سياسة كانت أو فنية أو رياضية أو اجتماعية.. أراد أن يقنع هذا القارئ بمهنية جريدته السوداني وحرفيتها العالية وإصرارها على استقلاليتها. . فهل يجهل ضياء حقيقة علم جميع القراء بأن مالك الصحيفة الحالي هو السيد جمال الوالي العضو الملتزم بالمؤتمر الوطني الذي يحكم سودان العز والكرامة أم ماذا! وأن هؤلاء القراء يعلمون أن الصحيفة قد نزعت من مالكها الأول الأستاذ محجوب عروة نزعاً بعد أن حاربوه بتجفيف الإعلانات. . وطالما أن السوداني تتمتع بكل هذه الاستقلالية والحرفية والمهنية العالية، فما الداعي لإرسال محاور الحوار للدكتور مصطفى! ألم يكن من الممكن إبلاغه عبر الهاتف بموضوع الحوار الرئيس حتى يحشد معلوماته الخاصة به، خاصة أن المقابلة كانت لصحيفة وليس للتلفزيون؟! . هل أراد ضياء أن يقنعنا أيضاً بأن دولتنا تؤمن بحرية الصحافة وتفسح هامشاً مريحاً ل ( بستفة ) مستشار رئيس الجمهورية نفسه! والله يبدو أن هامش الحريات تطور كثيراً في سودان اليوم والظاهر نحن ( نايمين علي اضنينا) ! . وربما رغب ضياء أيضاً في المزيد من الترويج للصحفية رفيدة التي أعجبت أنا نفسي بالعديد من المقالات التي سطرتها، لكن يبدو أن هناك من يريدون أن ( يطيروها السماء) بين عشية وضحاها. . أليس غريباً أن تجري هي لوحدها كل الحوارات مع الشخصيات المهمة في وجود قسم سياسي كامل بالصحيفة كما ذكر ضياء نفسه في مقاله! . لكن لن نقف أمام هذه النقطة طويلاً، فرفيدة على الأقل أفضل من الكثيرات غيرها ممن وجدن مساحات لا تسعها قدراتهن المتواضعة. . فهناك من تفرض على الناس في الصحف وهناك من يريدون لها أن تكون مذيعة لامعة رغم أنها تتكلم بلغة من يجلسون تحت ظلال الأشجار. . خلاصة القول أن ضياء حاول أن يروج لصحيفته ولشخصه كرئيس لتحرير هذه الصحيفة المستقلة عالية المهنية ولحكومتنا الرشيدة التي تقبل النقد حتى ولو نال هذه النقد من مستشار رئيس الجمهورية أو الرئيس نفسه. . يا لجمال هذا السودان ويا لروعة هذه الحكومة الديمقراطية التي تفسح كل هذا الهامش من حرية الصحافة يا ضياء!! . أليس هذا السودان الذي تُتاح فيه هذه الحريات الصحفية هو نفسه الذي يموت مواطنه جوعاً ويطلب رئيسه من أهله أن يقاطعوا اللحوم، بينما تهنأ الشعوب الأخرى بالتهام لحوم أبقارنا شهية الطعم! . توقعت أن تربأ بنفسك يا ضياء عن مثل هذه الدعاية الرخيصة والمبتذلة. . هناك احتمال آخر هو أن تكون ( الحركة) كلها جزءاً من محاولة لاغتيال شخصية الدكتور مصطفى، لكنني لا أرجح هذا الاحتمال لاعتبارات عديدة لا تفوت على فطنة القارئ الكريم.