ابتسم اليهودي الشاب حينما سألته أين أركن سيارتي.. أخبرني رجل الأعمال الشاب «ماير» أنه شخصياً نادراً ما يستخدم سيارته في الوصول لمكان عمله.. كان الشاب ماير الذي عملت معه في مدينة فلادلفيا الأمريكية لبضعة أشهر من يهود سوريا الذين نزحوا للولايات المتحدة.. الرجل مثل أغلب تجار وسط المدينة يستخدم القطار في حله وترحاله بين البيت والمكتب.. هنا قاعدة تقول إن أردت ألا تخلف موعداً فعليك بالقطار. قبل سنوات كنت واحداً من أوائل الصحفيين الذين أطلقوا على بصات شركة ولاية الخرطوم بصات الوالي.. انتقدت في ذاك المقال فكرة عودة الحكومة لتقديم خدمة يقوم بأدائها القطاع الخاص بكفاءة مقبولة.. قبل بصات الوالي لم تكن هنالك أزمة في المواصلات.. هذا القطاع كان جاذباً لاستثمارات الأفراد.. حتى للمغتربين كانت العودة النهائية مصحوبة بحافلة «كوستر».. الآن بعد دخول بصات الوالي بات أقرب طريق إلى السجن وإشهار الإفلاس يمر عبر الاستثمار في النقل والمواصلات. من أراد أن يكشف سوءات ولاية الخرطوم فليمعن في تجربة بصات الولاية.. الوحدة الوحيدة في الخرطوم التي لا تستطيع الإيفاء باستحقاق العاملين في أول الشهر هي شركة المواصلات.. ذات الشركة كانت تحتاج كل أول شهر إلى قرض حسن حتى تستطع أن تنفس وتتحرك في الطرقات.. في أقل من سنة كان نصف هذه البصات خارج دائرة الإنتاج بسبب المواصفات وسوء الإدارة.. حدث ذاك الإخفاق لأن ولاية الخرطوم استثمرت وبذلت جهداً كبيراً في المكان الخطأ. في الثالث من الشهر الجاري كانت ولاية الخرطوم تدشن فكرة جيدة.. الولاية بالتعاون مع شركة نوبلز أطلقت خدمة قطار الخرطوم المحلي.. القطار المحلي يستطيع أن يقلك في رمشة عين من الجيلي إلى المسيد في أطراف ولاية الجزيرة.. سرعة القطار إن فك لجامها مائة كيلو متر في الساعة.. أقصى سرعة مسموح بها داخل شوارع الخرطوم لأفخم السيارات لا تتجاوز السبعين كيلومتراً في الساعة.. المشروع ضخم ويحتاج تمويله إلى نحو ثمانية وسبعين مليوناً من الدولارات.. رغم التكلفة إلا أن الفكرة تستحق هذا الصرف الكبير ويمكن أن تكون مفتاحاً لحل الكثير من المشكلات المستعصية. قطار الوالي سيكون كسباً شخصياً للوالي عبدالرحمن الخضر الذي عليه أن يفكر في الانتخابات المقبلة حين يسأله الناخبون في الخرطوم ماذا قدمت في دورتك الأولى التي امتدت لأربع سنوات.. إيلا يستطيع أن يقول أنه صنع مدينة من رماد.. بورتسودان رغم أزمة الماء باتت قبلة للسائحين.. حتى المتعافي الذي غادر منصب والي الخرطوم مازال الناس يذكرونه وفي ذهنهم شبكة الطرق الممتدة.. ليس من مصلحة الوالي الخضر أن يشتت جهده في مشاريع عديدة لا تنظر بعين الناخب. فكرة قاطرات تربط ولاية الخرطوم من أقصاها إلى أدناها ومن شرقها إلى غربها مربوطة بنقطة تلاقي خارج وسط المدينة الحالي تبدو حلاً جيداً لأزمة المواصلات المستعصية بالخرطوم. من اليسير لأي مواطن أن يستثمر في مشروع بص صغير.. ومن الأفضل أن تفكر الحكومة في التدخل في المشروعات التي تبدو أكبر من طاقة الزول السوداني. اخر لحظة