حينما كنا ، نتابع خطاباً للصادق المهدي في يوم 26 يناير 2011 بميدان الخليفة عبد الله جلس أحد الشباب على الأرض، وهو مذهول، ويتحدث بحزن، " سيد الصادق ما بتخلي عادتك"، حدث ذلك؛ في اليوم الذي كان يفترض أن يتخذ فيه الصادق قراره التاريخي ؛ إما التنحي، أو قيادة تيار الإطاحة بالنظام . بدأ المهدي حديثه بهتافات رفعت درجة التفاعل والتوقعات عالياً، ثم دلف إلى الأوضاع في مصر ليقدم النصيحة للرئيس السابق محمد حسني مبارك، وللثوار، ولم ينس أن يتقدم بالتهنئة إلى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بمناسبة تنصيبه، فالرجل "مهووس بشهوة الإصلاح الكوني"، على حد وصف أحد الكتاب، ولعله الدكتور منصور خالد؛ ثم جاء للوضع الداخلي، لينتهي الخطاب بلا شيئ، لا تنحي ، ولا إطاحة، بل أنه فضل منح النظام فرصة للحوار، أي منذ عامين ونصف لم تنته الفرصة. فخرج الناس محبطين، والشباب تائهين، وساخطين على الرجل، وموقفه الملتبس، وتساءلوا عن سبب وضعه لنفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، وحين جاء الموعد للقرار اكتشف طريقاً سالكاً، ورغم ذلك ، لم أكن محبطاً، لأنني لم أرفع سقف التفاؤل ، وفتح نوافذ الأمل بأن يأمر المهدي أنصاره وشبابه المتحمس بالخروج والاعتصام، وبداية الانتفاضة الشعبية. وهو نفس موقفي من خطابه يوم أمس الأول، بل أنني لم أتذكر الليلة التي دعا لها وحشد لها أنصاره، إلى أن عدت من مشاوير خاصة في قاهرة المعز، فوجدت مناحة في مواقع التواصل الأجتماعي، وتعليقات، وتعبير عن احباط. فأنا لم أحبط على الإطلاق، لأن هذا هو الصادق المهدي، الذي أدعى انني أعرف مواقفه، الملتبسة، وعشقه المعروف للمناطق الرمادية، والوقوف في منزلة بين منزلتين، مع أنه أكثر سوداني اتيحت له فرصة حكم البلاد " مرتين"، وقيادة المعارضة كذلك، لكنه لم ينجح في الحكم، ولم يستطع قيادة المعارضة، ليحقق صفراً كبيراً في الاثنين . فلماذا الاحباط؟ وماذا كنتم تتوقعون من الصادق المهدي؟. ثم أن المهدي جمع أنصاره، ومثلما قال لهم إنه أتي بهم ليسمعوه، ثم شدد في مرة أخرى " من يريد الانضام لحزب اخر او جماعة اخرى الباب يفوت جمل". فهو مخير في أنصاره، وفي مواقفه، ومن حقه أن يقول ما يريد، مع أن التاريخ لن يرحم . لكن دعونا في الراهن، فالصادق لا يريد اسقاط النظام، فمن يريد اسقاط النظام يجب أن لا يعول على الرجل، والصادق لا يريد المواجهة، ومن يريد المواجهة لا يضع ، ولو بصيص أمل في سلة الرجل ، والمهدي لا يرى سوى طرحه هو، ان اتجه الناس شرقاً فضل هو الذهاب غرباً، والعكس صحيح . فلكل ذلك، لماذا التباكي؟ ، ولماذا الغضب؟ ، ولماذا الإحباط؟. ومن وجهة نظري فمن أراد التغيير أو اسقاط النظام عليه جمع قوته، وجماهيره، أو جيشه، بدلاً عن الاعتماد على الآخرين، لأن الآخرين لن يحلوا لك قضية، ولن يمنحوك قواعدهم لتحقيق أهداف هم أصلاً لا يفكرون فيها، أو لا يحبذونها . لا تغضبوا من الصادق، ولا تحملوه فوق طاقته، هذه هي طاقته، وهذا هو موقفه، فإما ان تفعلوا شيئاً، أو تصمتوا لأن من يريد أن يشاركه الصادق في تغيير النظام، كأنه يريد ذلك من أبراهيم أحمد عمر، أو من جلال الدقير وأحمد بلال .. لا تتعشموا، "وما تدفقوا مويتكم على الرهاب ". صحيفة التغيير الالكترونية