يضيق الحيز النظري العادل في التحمس لفكرة البناء السياسي الراهن لشكل السلطة والحكم في السودان ، فالأدلة والحيثيات القائمة تؤشر بكل مناصفة منذ الاستقلال وحتى اللحظة يواجه السودان اقسي ضروب الظلم والتخلف السياسي الذي دائما ما أخره عن ملاحقة حركة العالم من حوله وجعله علي مدار التاريخ مجرد عبء ثقيل تنؤ عن حمله رحابة الافكار الخلاقة التي تنشله من وهدت الرتابة الي فضاء المواكبة الطبيعية لطفرة البشرية في كافة مجالات الحياة السياسية . وقد لا يتسع المجال النظري الشامل ليعطي درجة الأهمية القصوى لما أسوقه من معطيات ولكن يبقي الأمل في تشخيص الواقع وتعرية جذوره حتى يراه اصحاب العزائم الوثابة رؤية الشمس في رابعة النهار فيشاركوا في وصف الدواء الناجع له ويعالجون معضلاته المتأزمة بعبقرية قلما يماثلها مثيل . ذلك لان جميع النظريات التي وصفت بالتفصيل الممل شكل الحكم في السودان وتحدثت بحماسة شديدة عن عدالة رؤيتها في جاذبية غاياتها هي نظريات مستوردة وتعاني كليا من ضحالة المنطق في اقناع الناس بجدواها كبديل ديمقراطي يدعوا الجميع للمشاركة في ادارة امور البلاد وفي احسن الاحوال هي نظريات بائدة تفقد بوصلة توازنها اول ما تضع رجلها علي عتبة السلطة ذلك لانها من الاساس غير مخصصة لوطن او جماعة تتنافر بداخلها كل الوان التناقضات ( الديمغرافية ) . لهذا اثبتت عند تطبيقها في السودان بما لايدع مجال للشك انها غير مناسبة لتوافي الناس اشواقهم نحو الحرية والعدالة المنشودة . ان السودان علي حافة الانهيار الشامل وهو قاب قوسين او ادني من فكرة ( كانت هنا مدينة ) فكل الوقائع تدفعه دفعا ليغوص في وحل التفتت والتشرذم لهذا بات من الضروري البحث عن مخرج وبديل قوي يستعيض عن حتمية التمزق بفكرة ( السودان الحديث ) وهي علي النقيض من مسألة ( السودان الجديد ) ففي الحداثة تطوير لما هو موجود اصلا اما ( الجديد ) فيعني محو القديم واستبداله بأخر يختلف كليا عن ماهو متفق عليه ؟ لذلك ( السودان الحديث ) رؤية شاملة تعطي الجواب الشافي والحل الامثل لكل التحديات الماثلة التي اقعدت الوطن ردحا من الزمان ، كما وان ( السودان الحديث ) نظرية المعية ناجعة تضع النقاط علي الحروف وتسهب بصورة علمية نادرة في توضيح طريقة الممارسة العادلة في ادارة امور الحكم ، فالديمقراطيات التي تتحدث عنها النظريات الأخرى هي مجرد ملك عضود لا اقل ولا اكثر في منطق ( السودان الحديث ) ، كما وان انهيار قيم المجتمع وسقوط اخلاقيات المواطنة توجد لها المعالجات الفكرية والحوارات البناءة الهادفة التي تعالج مثالبها وتكبح من حدة اندفاعها نحو الهاوية , وفي مجال الأقتصاد تقول نظرية ( السودان الحديث ) ان الرؤية الاقتصادية يجب ان تبني ذاتها من القناعة الراسخة بالاعتماد علي الزراعة كمورد اساسي ينهض عليه اقتصاد الدولة كما تحدثت ايضا عن الصناعة وشكل المصنوع وقسمت الاحتياج الصناعي الي قسمين ( محلي ) تخدع جودته للرقابة الصارمة للدولة ( وعالمي ) ينافس مقايس ( ألايزو ) . اما في مجال الدفاع والأمن ( فالسودان الحديث ) ينادي بضرورة تحديث القوات المسلحة وحل الأمن بغرض تشكيله علي خلفية قومية ( بحته ) والغا ء مصفوفة التقاعد الاجبارى المتفق عليه في سلسلة الاسبقية العسكرية لقيادات القوات المسلحة والشرطة والامن ، ففي ( السودان الحديث ) لا مكان للصالح العام وتنتهي احقية القائد في استمراريته بالخدمة اذا فقد واحد من شروط الاهلية او بلغ سن التقاعد الاجباري المحدد بسقف سبعين عام ، ويتم تعين وزير الدفاع بالانتخاب الحر المباشر داخل قيادات الدفعة الاعلي التي بلغت مرتبة الفريق داخل القوات المسلحة وليس للقيادة السياسية الحق في القبول او الرفض علي اختيار القوات المسلحة لراعيها . اما في مجال الشباب والرياضة ففكرة ( السودان الحديث ) تؤيد بعض النظريات القائلة بأن ملكية الاندية الرياضية يجب ان تؤل للمصانع والشركات المقتدرة لتحظي برعايتها . وفي مجال الصحة تقوم الرؤية علي مجانية العلاج وتوضح بالمنطق والحسابات الدقيقة امكانية ذلك ووجوب الاستفادة منه . اما في مجال التعليم ليس من حق الاسرة ان تدفع لتعلم أبناءها ليستفيد منهم الوطن بل من واجب الوطن ان يتغاضي عن المطالبات المادية ليحظي بوفرة ممتازة من الكوادر التي يمكن ان تناوب بعضها البعض وتحترق لتبادله احسان الموقف . وفي مجال الرؤية الخارجية فأن ( السودان الحديث ) يختزل فلسفة العلاقات الخارجية في اطار تقدير المواقف ومن منطلق تهجيني صرف يمزج جدوى الهوية الافريقية بضرورة العربية ..... هذا باختصار متناهي تلخيص سريع عن ابواب كبيرة مشرعة لفكرة ( السودان الحديث ) ، وابتدأ من الغد سنتناول بالتفصيل الناجز كل باب علي حدة وستكون البداية بالحديث عن الطريقة العادلة لادارة شكل الحكم وفق رؤية ( السودان الحديث ) .