لندن 6-1-2020(الاقتصادية السعودية)-جاء الأسبوع الأول من العام الجديد حافلا بالأحداث المهمة بالنسبة للكرواتيين حكومة وشعبا، حيث تولت (زغرب) بداية من العام الجديد لأول مرة في تاريخها رئاسة مجلس الإتحاد الأوروبي وكانت قد انضمت في تموز (يوليو) 2013م إلى عضوية الإتحاد الأوروبي. وادى انضمام كرواتيا إلى الإتحاد الأوروبي إلى تسريع رحيل الكرواتيين سعيا إلى حياة أفضل في أوروبا وهم يشكون من الفساد والمحسوبية ومن تردي الخدمات العامة. كما توجه الكرواتيون أمس إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية بالانتخابات الرئاسية التي لا يمكن التكهن بنتائجها، حيث يتحتم فيها على الرئيسة المحافظة المنتهية ولايتها كوليندا جرابار كيتاروفيتش كسب تأييد اليمين القومي للفوز على خصمها زوران ميلانوفيتش رئيس الوزراء الاشتراكي الديموقراطي السابق. وكشف الاقتراع صعود اليمين الراديكالي في بلد يواجه ضغط المهاجرين على حدوده ويعاني مثل جاراته في البلقان هجرة سكانه وفسادا مستشرا والرئاسة في كرواتيا منصب فخري إلى حد كبير. ودعا الناخبون البالغ عددهم نحو 3,8 مليون شخص إلى الاختيار بين رؤيتين لهذا البلد الواقع على البحر الأدرياتيكي تتمثلان ب(كرواتياأصيلة) تقول الرئيسة المحافظة المنتهية ولايتها إنها تمثلها وكرواتيا طبيعية يعد بها خصمها الاشتراكي الديمقراطي. وفي الواقع أن تعافي كرواتيا من الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي أواخر 2008م كان محط إعجاب عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين لكن هذا التعافي لا ينفي أن الإصلاحات الهيكلية للحكومة الكرواتية لم تفلح حتى الآن في تنويع مصادر النمو بالكامل، حيث تواصل اعتمادها بشكل كبير على السياحة، ما جعل الاقتصاد الكلي عرضة دائما للاهتزازات الخارجية. وفي تقرير حديث حول مدى التقدم الذي أحرزه الاقتصاد الكرواتي خلال السنوات الأخيرة حذر البنك الدولي من أن معدل النمو المتوقع الذي يبلغ نحو 2,5 % تقريبا في المدى المتوسط لا يعد كافيا لتقريب كرواتيا من دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تقدما. ومن الواضح تماما أن الحكومة الكرواتية تعول بشكل كبير على أن تحدث رئاستها للاتحاد الأوروبي تحولات عميقة في هيكلها الاقتصادي ومستويات المعيشة إذ تضمنت رسالة أندريه بلينكوفيتش رئيس الوزراء الكرواتي بمناسبة السنة الميلادية الجديدة تذكيرا بأن رئاسة الاتحاد الأوروبي ستزيد من تعزيز المكانة السياسية والاقتصادية لبلاده متعهدا بأن يكون العام الجديد عاملا فاعلا لمزيد من التطور الاقتصادي لبلاده. وكان آخر اجتماع لمجلس الوزراء الكرواتي في 2019م اعتمد شعار أوروبا قوية في عالم مليء بالتحديات بوصفه الشعار الرئاسي لفترة تولي أوكرانيا لرئاسة التكتل الأوروبي خلفا لفنلندا التي تستمر لمدة ستة أشهر في وقت تواجه فيه القارة الأوروبية تحديات جادة وغير مسبوقة على مختلف الأصعدة. وهذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها كرواتيا الرئاسة الدورية الأوروبية وكانت آخر دول شرق أوروبا المنضمة إلى هذا التكتل ومن المنتظر أن تلتحق كرواتيا قريبا بمنطقة شنجن التي تلغي الحدود بين الدول الأعضاء بعد إعلان المفوضية الأوروبية نهاية العام الماضي استيفاءها لكل الشروط اللازمة لعملية الانضمام. كما تأتي رئاسة كرواتيا في وقت تمر فيه القارة الأوروبية بعديد من التطورات المهمة التي يأتي على رأسها إتمام خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي أو ما يعرف ب(بريكست) الذي من المقرر تنفيذه في 31 من يناير المقبل لتبدأ من بعده مرحلة انتقالية تستمر 11 شهر يتم خلالها التفاوض بين أوروبا وبريطانيا على شكل العلاقات المستقبلية بينهما وهي مرحلة ليست بالهينة بالنظر إلى حجم القضايا الشائكة التي تربطهما. وينتظر أيضا أن تشهد فترة رئاسة كرواتيا للاتحاد الأوروبي تقديم مجموعة من دول البلقان طلبات انضمام إلى الاتحاد وهو مطلب يحظى بتأييد كرواتي واضح، حيث انتقدت الرئيسة الكرواتية كيتاروفيتش خلال لقائها أخيرا مع الرئيس الألباني إيلير ميتا عدم اتخاذ المجلس الأوروبي قرارا ببدء محادثات انضمام ألبانيا وجمهورية شمال مقدونيا إلى الإتحاد واصفة ذلك بأنه قرار خاطئ. وتعتقد الدكتورة لوسي فاولر أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة شيفيلد أن رئاسة كرواتيا للاتحاد الأوروبي ستمكنها من تبني مجموعة صحيحة من الإجراءات المؤسساتية التي ستتيح لها فرصة تعظيم منافع عوائد الاستثمار العام عبر استخدام أموال التكتل بفاعلية أكبر خلال فترة توليها الرئاسة، ما يمكنها من جذب استثمارات خاصة لإيجاد فرص أفضل للتوظيف. وتضيف ل(الاقتصادية) أن انضمام (زغرب) إلى منطقة اليورو جزءا من جدول أعمالها في الأجل المتوسط، حيث تخطط الحكومة لتنفيذ إصلاحات طموحة لتعزيز النمو وبناء المرونة الاقتصادية وتعظيم فوائد عضوية منطقة اليورو وهناك اتجاه حكومي خاصة مع رئاسة كرواتيا للاتحاد الأوروبي للعمل على إصلاح الاستثمارات في رأس المال البشري، وإدارة الموارد الطبيعية للحفاظ على الأصول الطبيعية للبلاد، لكن نجاح تلك الإصلاحات سيعتمد في نهاية المطاف على مدى وعمق الإصلاحات الهيكلية في المؤسسات الحاكمة في كرواتيا. ويبدو من الواضح أن التحديات المؤسساتية في كرواتيا لها تأثير كبير في النمو الاقتصادي، فمعدل النمو بلغ نحو 3 % خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتراوح في عام 2019م بين (2,8 و2,9) %. وتحسنت أوضاع المالية العامة في كرواتيا بشكل كبير فتقلصت الاختلالات المالية وانخفضت مديونية البلاد، وخلال الأعوام الماضية أسهم انضمامها للاتحاد الأوروبي في زيادة الصادرات وبلغت 50 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2018م ومع هذا أن الاختلالات المؤسساتية خلقت نمطا من التنمية غير المتكافئة. ويقول ل(الاقتصادية) كيلز كامبل الباحث في معهد الاقتصاد الأوروبي إن هناك إجراءات مؤسساتية نجحت في إرسال رسالة واضحة للاستثمارات الأجنبية وللاتحاد الأوروبي بأن المعايير المؤسساتية الكرواتية متناغمة مع معايير الاتحاد الأوروبي فتدابير مكافحة الفساد حققت تقدما ملحوظا وهو ما تجلى في الحكم على إيفو ساندر رئيس الوزراء السابق بالسجن بعد إدانته بتهمة تلقي رشوة بقيمة عشرة ملايين يورو من مجموعة شركات مجرية لمنحها حق السيطرة على شركة الطاقة الكرواتية. ويضيف كامبل أن هناك تحديات مؤسساتية، حيث يصعب في الوقت الحاضر القطع بأن الإجراءات الحكومية المتخذة ستنجح في معالجتها إذ يتطلب الأمر فترة طويلة من الزمن لمعرفة النتيجة فمثلا الشيخوخة السكانية ومستويات الهجرة الخارجية المتزايدة والطبيعة المتغيرة للعمل تتطلب من الحكومة الكرواتية اتخاذ تدابير ذات طبيعة طويلة الأمد لتحسين القدرة الاقتصادية على النمو في الأجل الطويل. لكن الجانب المؤسسي وانعكاسه على الاقتصاد الكرواتي لا ينفي أن هناك عوامل خارجية لا تصب التغيرات فيها في مصلحة كرواتيا فالركود لدى أهم شركائها التجاريين يتوقع أن يضعف معدلات النمو لديها فالركود الاقتصادي في إيطاليا والضعف الذي يعتري الاقتصاد الألماني وهما أهم الشركاء التجاريين ل(زغرب) سيدفع إلى تباطؤ الصادرات الكرواتية إلى الدولتين، كما سيكون له تأثير سلبي على السياحة لكرواتيا إذا طال أمد الاتجاهات الاقتصادية السلبية في إيطاليا وألمانيا. ويعتقد الدكتور أرتشر كوكسون الاستشاري في اللجنة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي أن الاقتصاد الكرواتي وعلى الرغم مما قد يتعرض له من وعكات صحية هنا وهناك نتيجة علاقته الاقتصادية القوية مع إيطاليا وألمانيا إلا أنه يزال بعيدا عن مخاطر الركود. ويشير ل(الاقتصادية) إلى أن معدلات التضخم منخفضة في كرواتيا ورصيد الحساب الجاري يحقق فائضا، كما أن لدى الكرواتيين احتياطيات مالية داخلية تخفف من أي تداعيات سلبية نتيجة ترابط الاقتصاد الكرواتي بالعالم الخارجي والمشكلات الهيكلية محدودة، حتى إذا تعرض الاقتصاديان الألماني والإيطالي للاهتزاز فإن إمكانية استنساخ كرواتيا للجانب السلبي من طبيعة الدورة الاقتصادية لشركائها التجاريين ستكون محدودة. وفي الواقع أن النظر إلى طبيعة الاقتصاد الكرواتي في 2008م عندما انفجرت الأزمة العالمية، ومقارنته بما وصل إليه الآن، يكشف عن قطع شوط مهم يعود الفضل في الجزء الأكبر منه إلى عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ففي أزمة 2008م كان النظام المصرفي من الضعف بحيث عجز عمليا عن إقراض القطاع الحكومي أو الخاص للتخفيف من وطأة الأزمة، كما أنه افتقد حينها سيطرة حقيقية على وقف تدفق الأموال للخارج. ويبدو أن القطاع الخاص في كرواتيا الآن أكثر مرونة وتطورا عن ذي قبل والبنوك المحلية في وضع أفضل عما كانت عليه قبل أكثر من عشرة أعوام وتعزز ذلك باحتياطي النقد الأجنبي، الذي يعد الأعلى في تاريخ البلاد، وربما يعود الفضل في ذلك كله إلى الفوائد التي جنتها (زغرب) من عضويتها للاتحاد الأوروبي التي توجت برئاستها لتلك المنظمة الدولية منذ بداية العام الجديد.