يزداد التعاظم بالصادرات غير البترولية من قبل الاختصاصيين الاقتصاديين، ليس فقط لأن البترول قد خرج من المنظومة الاقتصادية لإيرادات الدولة من العملة الأجنبية، ولكن لأن منطق الاقتصاد الكلي يقول ذلك إذ لا يعتمد على مورد واحد، وتتجه النظريات الاقتصادية الحديثة منها والقديمة الى الاهتمام بالتنمية المستدامة وتنوع الصادرات وتشجيع الإدخار. بالأمس حملت الأنباء خبراً تضمن منح الماشية السودانية شهادة براءة من مرض الطاعون البقري، وهو مرض فيروسي شديد العدوى يصيب المجترات من الحيوانات، وهو من الأمراض الاقتصادية المهمة والتى تسبب خسائر تصل فيه نسبة النفوق الي 90% من الحيوانات المصابة.. ويعتبر من أهم الكوارث الطبيعية وأخطرها التى وصفت في حياة البشر في نهاية القرن التاسع عشر، والذى أدى الى نفوق 90 %من الحيوانات المصابة عند ظهوره في افريقيا وحدها.. فمن وراء هذا الانجازالعلمي؟ لقد بذل الأطباء البيطريون في صمت وجد واهتمام مهني، وحسٍ وطني طوال أجيال متلاحقة جهداً كبيراً للقضاء على هذا المرض والذي ظهر آخر وباء له بالسودان قبل أكثر من ربع قرن من الزمان، للأطباء البيطريين قصب السبق فى اكتشاف وتشخيص وعلاج عدد من الأمراض غير المعروفة، والمنتشرة في الوطن العربي والافريقي، وللسودان أبحاث متميزة كما له رجال متميزون, منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا, رواد تقشعر لهم الأبدان عند ذكر أسمائهم الأساتذة الأفاضل ابراهيم محمد خليل، الأمين عبد الله الكارب، محمد علي محيميد والنذير دفع الله. رجال لابد من ذكرهم وضعوا اللبنات الأولى لو تطاول بنيانها لما سمعنا عن مشكلة (أبيي) البروفيسور يحيى محمد الحسن الحميدي من رواد المهنة البيطرية في السودان، حمل السلام على ظهر (اللاند روفر) متحركاً مع أبقار الدينكا صيفاً وتنقل معها بين بحر العرب ومنطقة قوقريال، وفى منطقة اكومو مع النوير وهو الشمالي الوحيد فى تلك المنطقة، لأن أهلها يعشقون الأبقار ويحبون من يهتم بأبقارهم. منذ العام 1938م تم إنشاء مدرسة الخرطوم البيطرية، وحتي تاريخ جمعها فى العام 1945م مع اربع مدارس عليا أخرى تحت مظلة كلية غردون التذكارية, وفي العام 1953م استقبلت مدينة شمباتبالخرطوم بحري كلية العلوم البيطرية، وتطورت الكلية من حيث المنهج والتخصصات، وهناك رجالٌ عاصروا المهنة البيطرية وساهموا في وجودها: أبشر حاج علي، محمد الطاهر، محمد عبد القادر، سلمان بدري، يوسف عتباني والريح الطريفي ولا ننسي الأربعة الأوائل من الطبيبات البيطريات، ختمة حسن الملك، هادية الجاك، نادية عبد القادر، ومني محمد الماحي، شموع تضيء ولا ولن يخبو نورعلمهم وثقافتهم، ورقة تعاملهم، وزنة عقلهم واتساع أفقهم. لقد حقق هؤلاء انجازات تطبيقية وسار على نهجهم من أتي بعدهم، وقد فقد السودان كثيراً من النجاحات التي حققوها في مجال الطب البيطري، مشروع البان كوكو وصراعه المرير والمشهور بين الولائية والاتحادية، رحل طرفا الصراع في هذا الصرح وتجذرت المشكلة، مشاريع أم بنين، والغزالة جاوزت، والنشيشيبة، لتحسين سلالات أبقار اللحم والألبان بالسودان، مشروع الهدي لتحسين نسل الضان بالجزيرة، مشاريع الألبان ببانوسة والأبيض، مشاريع الإنتاج الداجن بمعظم ولايات السودان، مشروع سوبا لتسمين الماشية، مشاريع رسم لوحتها رجال مخلصون، أحبوا الوطن والعلم، فصارت أحلاماً بعد أن كانت واقعاً رسم البسمة لكثير من الأسر السودانية. الأطباء البيطريون ليسوا مصابين بالعقم الفكري، كل جيل منهم يستطيع أن يفجر طاقات من يأتون بعدهم ولكن تم تحرير كل مطالب البياطرة منذ أكثر من عقد ونيف من الزمان.. لقد مرت ببلادنا كثير من الأوبئة كانت كفيلة برفع معنويات الطبيب البيطري، وارتفعت مهنة الطب البيطري فى العالم عندما أسست مدرسة للطب البيطري في ليون بفرنسا عام 1861م، وبعد ذلك تطورت العلوم البيطرية لتشمل بجانب علوم الطب علم اللقاحات والتطعيم الذي كان من روادها العالم لويس باستير، والعالم روبرت كوخ. هذا التطور العالمي لم يتخلف عنه علماء البياطرة، رغم ظروف الحصار وضيق المعيشة فقد كان الوطن دائماً في حدقات العيون.يظل السؤال من وراء هذا الانجاز العلمى لمنح السودان خلوه من مرض الطاعون البقري، لقد سددت الدولة التزاماتها المالية وبالعملة الصعبة لمكتب الأوبئة الدولي، حتي تكون للسودان العضوية الكاملة، وحق ممارسة متطلباتها، فاليوم الأطباء البيطريون مطلوب منهم أن يطوروا عملهم الإداري على المستوى العالمي، السودان يشارك فى اجتماعات (الهيئة الدولية للمكتب الدولي) منذ زمنٍ ليس بالقصير فهل تسدد الدولة هذه الالتزامات فقط من أجل المشاركة، ولقاء الأحبة بالقرب من برج إيفل ليصير حال مشاركتنا مائلاً كبرج ايفل، إن كان ذلك كذلك فنستفيد من شهرته ونبدع من حوله، هل يكتفي السودان بحضور الاجتماعات لهذه الدورة، والتي ستعقد آخر شهر مايو الحالي، أم لدينا مشاركات فى الوكالات الاقليمية والوكالات المتخصصة، هل للسودان وجود في المراكز المتعاونة والتنسيق الاقليمي، وهل مركز المعامل والبحوث البيطرية من المعامل المرجعية للهيئة الدولية، ومجموعات العمل من حيث التقنية الحيوية والمعلوماتية والعقاقير البيطرية، هل هناك وجود للسودان من كل الإطار الهيكلي التنظيمي الدولي للأوبئة, هل وجودنا يتناسب وال 140 مليون راس ً من الماشية.أمام السودان الآن فرصة ليتبوأ بكل جدارة مقعداً افريقياً بالمنظمة الدولية، فللدولة مساهمات في صنع قرارات تساهم فى حماية القطعان من التعرض للوبائيات، نحتاج ليؤدي المكتب الدولي للأوبئة المهام المتعلقة بمواءمة القواعد المنظمة، من خلال نشر المدونة الدولية لصحة الحيوان، ودليل معايير التشخيص والاختبارات ولقاح الحيوان، حتى لا نحارب اقتصادياً، والسودان يضع أعتابه على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية, علينا دعم وجودنا في هذا المكتب المهم، فالبياطرة وحدهم الذين يعلمون أن للحصول على شهادة خلو من مرض معين تصيب الماشية، تكون الدولة تحت أنظار مجاهر مايعرف (المكتب الدولي للأوبئة)، فهي الجهة الوحيدة التي تعتمد شهادتها على مستوى العالم، فهو ليس جهازاً تنفيذياً إذ يقوم على ميثاق لشرف التعامل بواسطة السلطات الرسمية، المسئولة عن استخراج شهادات الصحة الحيوانية للمواشي والمنتجات الحيوانية, ليس من واجب الأطباء البيطريين المحافظة على سمعة القطعان من الأمراض الوبائية، وتحسن سلالاتها فقط، سيكون السودان حضورا ً بوفد بقيادة السيد وكيل وزارة الثروة الحيوانية والسمكية، ضمن أكثر من 150 دولة ليس طموحها كطموح أبناء بلادي، فليس هم موظفون عاديون ليمثلوا بلدهم، لأنهم موهلون فنياً وإدارياً، يتمكنوا بكل جدارة من المشاركة النشطة فى اتخاذ القرارات ومن المناقشات، كما لايخفي عليهم الاهتمام الذي يؤليه الدكتور فيصل حسن وزير الثروة الحيوانية والسمكية لكوادر وزارته، لقد وافق على تمثيل السودان بشموع سوف تأتي الينا بالخبر اليقين من فرنسا، حيث يعقد اجتماع الهيئة الدولية، وسوف لن تكون مشاركة من أجل الحضور، فقد اصطفى الله عزوجل البياطرة على كثير من المهن، لأنهم أهل صبر وشجاعة وتفانٍ ومثابرة وجرأة، لديهم المقدرة على التطوير كما لديهم المقدرة على التأقلم على التخلي السريع والإنذار المبكر أصحاب انجازات متميزة رغم أنهم أشخاص عاديون.