اليوم ننيخ رواحلنا في مضارب ذاك البديع المبدع.. جم الثقافة خفيف الظل.. قوي الحضور.. سريع البديهة... المثقف الفنان عبد العزيز محمد داؤد.. يا إلهي هذا الذي انبلج كما الفجر ليهزم كل حلوكة سربلت الوطن الجميل.. ابن السكة الحديد.. المعجون بشحوم التروس الجديدية المهولة والهائلة... ولأنه مسكون بالإبداع.. مشحون بالجمال.. مفتون بالبدائع والروائع... فقد تلقفته تلك الأرواح المثقفة والتي رأت فيه فتحاً لروعة الغناء في البلد النبيل... وتنهض من بين البيوتات الطينية الرحيبة في «الركابية» ثنائية أزهرت وازدهت ولونت سماء أم درمان.. ثم انداحت فيوضاً من الألوان الرائعة على كل الوطن البديع... كان أبو داؤد توأماً لذاك المثقف المعجون بعشق أم درمان.. المفتون بالحروف عندما تتشكل وتتشابك لتكون عقوداً من لؤلؤ تنفجر.. بل تتفجر من حنجرة غير قابلة للمحاكاة أو التقليد... ويندفق المطر... وتهطل سحب من الجمال والمحال.. وتنهمر تلك السحابات جمالاً وأنغاماً وفناً... تغنى بالرائع والبديع من الحقيبة... ثم كان على موعد مع فصاحة الشعراء وبالفصحى... ثم كانت تلك الأغاني التي تتبدى كأضواء الموانيء وهي تتلفح وتتدثر بالعامية الفصيحة... ويخرج الرجل خارج الحدود.. ليلتقط أصدافاً وكريم الأحجار أشعاراً.. بعث الجمال وسكب أنهر العسل... وعلم الناس أيضاً حلاوة الدموع... والرجل يغني كالمصري محمد علي أحمد... نعم كان فتحاً في دهليز.. بل حدائق الغناء الذي رش في نشوى حدائق خميلة وحديقة العشاق وكانت هل أنت معي... ويسافر أبو داؤد إلى المهاجر والمنافي وراء البحار وعند سلسلة الجبال على الشط الآخر من الأطلنطي والهندي... يأتي بكلمات الذين نزحوا من لبنان.. بل هاجروا من لبنان وكل الشام... لتحتضنهم وحشة المنافي والمهاجر... يقتلهم الشوق والحنين إلى الوطن... يساهرون الليل إلا أقله وهم يحملون أوطانهم في تجاويف صدورهم.. بل في أحشائهم... شوقاً وحباً وحنيناً وعذاباً... ثم يأتي أبو داؤد بصورة اللوعة والغناء للوطن في شخص الحبيبة... ويصافح إلياس فرحات.. لتصافح آذاننا روعة الكلمات وبهاء التطريب.. وتلك الدموع المسكوبة... وذاك البناء.. وتلك الوحشة وكل الشوق إلى الوطن وعروس الروض: يا عروس الروض يا ذات الجناح يا حمامة سافري مصحوبة عند الصباح بالسلامة واحملي شوقَ محبٍ ذا جراح وهُيامه سافري قبل أن يشتد الهجير بالنزوح واسبحي ما بين أمواج الأثير مثل روحي فإذا لاح لكِ الروضُ النضير فاستريحي خبريها أن قلب المُستهام ذاب وجدا واسأليها كيف ذياك الغرام صار صدا فهُيامي لم يعد بعده هُيام بل تعدى ذكريها بأويقات اللقاء والتصابي يوم كنا كل صبح ومساء في اقترابي علَ بتذكار لي بعض الشفاء من عذابي فإذا ما اظهرت عطفًا وليناً واشتياقا فاجعلي ما بيننا عهداً وثيقاً واتفاقا فاسأليها رأيها في أي حينٍ نتلاقى وإذا أبدت جفاءً وصدوداً واعتسافا فاترُكيها إنها في ذا الوجود ستكافا سوف يأتيها زمان تريد فتجافا فإذا ما أقبلَ الفصلُ المخيف برعوده ما الذي يبقى من الغصن الوريف غير عوده إن للفصلِ ربيعاً وخريفاً في وجوده