والأمة العربية.. تتقاتل حتى الموت.. تدافع عن قضاياها حتى الفناء.. تخوض معاركها.. حتى القبر.. ولكن.. بسلاح.. الكلمة.. بأناقة الحروف.. بجزيل العبارة.. بثراء المفردة.. ببديع البيان وساحات المعارك.. وحقول الموت.. وميادين القتال.. هي.. قاعات.. واستديوهات.. الفضائيات المبهرة.. تحت بؤر ضوء الكهارب.. وقصف.. وبريق ولمعان.. ووميض «الفلاشات» أمام الكاميرات الرقمية.. وراجعوا دفتر التاريخ.. لتجدوا.. صفحات الانتصارات.. مكتوبة فقط بالهتاف.. والغناء والنشيد.. أديروا مؤشر الراديو.. أو لمسة زر في الريموت.. تنقلوا.. ما شاء لكم الترحال.. من طنجة الى جاكارتا.. لتجدوا ما تبحثون عنه.. مثل.. الموت لإسرائيل.. والقدس لنا.. وسندفن الصهاينة في رمال.. النقب.. ويا خالد الترك جدد خالد العرب.. ولا شيء.. غير ذلك.. فها هي إسرائيل.. دولة.. لها.. حدود ونشيد وعملة وعلم.. واليوم أنا استلف.. أحد شعارات الأمة المنتصرة.. فقط بالصياح.. والهتاف.. والشعار هو.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. دعوني أحوره وأغيره.. ليكون.. لا صوت يعلو فوق صوت المونديال.. وحتى لا يتهمني أحدكم.. بالانصرافية و«قلة الشغلة».. مردداً.. «الناس في شنو وإنت في شنو».. أقول.. العالم كله وليس الناس وحدهم.. يشخصون.. ويرحلون بالعيون والأفئدة.. لتهوي.. في الجنوب الأفريقي.. رؤساء بحجم.. صناعة هائلة وزراعة شاسعة.. واقتصاد.. رهيب.. يتركون أي شيء في أياديهم.. يهجرون القصور الجمهورية.. يضربون أكباد الطائرات.. ليقفوا خلف أبنائهم.. الذين يتوشحون بألوان علم بلادهم.. مثل انجيلا ميركل.. مستشار ألمانيا.. إحدى أعظم دول القارة العجوز الثرية الغنية المترفة.. التي.. صنعت «المرسيدس».. والدبليو إم.. ولولا الخروج الحزين والمهين.. لأبناء اليانكي.. لكان أوباما نفسه في قلب «الكيب» أو جوهانسبيرج.. أو ديرين.. ولولا الفضيحة المدوية والهزيمة المذلة.. لفتيان السكسون.. لكان «كميرون» نفسه بعيداً هناك في بلاد مانديلا.. بعيداً جداً من «تن داونينغ ستريت».. إذن إن أجلّ حدث وأعظم تظاهرة.. وأبهر مسرح.. هو مونديال العصر.. في جنوب أفريقيا.. وقبل.. أيام رحلت.. كتبت في هذه المساحة.. عن المونديال.. بعيون سياسية.. واليوم أكتب عن المونديال.. بعيون دامعة.. وحتى لا تذهبوا بعيداً.. يحملكم الخيال.. والظن الخاطيء.. فأنا لا أبكي على خروج البرازيل. بل لدهشة الكثيرين.. فأنا.. لست من الدائبين وجداً.. و«المكتولين» صبابة على البرازيل.. صحيح.. إنها فرقة من السحرة المهرة.. ولكني ما كنت يوماً من المتيمين بها.. بل ولتزداد دهشتكم.. أكبر.. وأكثر.. وأعمق.. فقد كنت -وأظني- الوحيد الذي كان يناصر الإتحاد السوفيتي.. ضد البرازيل.. في.. مونديال 82 وليس ذلك لأسباب عقائدية.. فالموضوع لا أكثر من موضوع «كورة».. ولكن لأن الحارس وقتها كان «داساييف».. ولأن الفريق وقتها كان من نجوم.. أوكرانيا.. وموسكو.. وكيف حول أولئك العمالقة الموهوبون.. ميدان كرة القدم.. الى طاولة كرة مضرب.. وكيف كانت أحذيتهم هي المضارب.. والكرة طائعة تجرجر أذيالها.. استجابة لهم.. إذن لماذا دموعي؟.. دموعي على جيرة جغرافية نعيشها جنباً الى جنب.. على سطح كوكب واحد.. نتنفس معهم نفس «الأوكسجين» بل نضايقهم.. حسادة في ذات الأوكسجين.. هم في أوربا.. ونحن في أفريقيا.. وآسيا واستراليا.. فنحن ورب البيت لا أكثر من «تمامة» عدد.. والخرزات الشائهة القبيحة في «الجرتق».. ويبدو كل شيء منطقياً.. هم يعيشون تحت ظلال ديمقراطية شاسعة.. ونحن.. تحت حكم القياصرة.. والكياسرة.. والحاكم هنا.. إما في القصر.. أو القبر.. وشيء آخر أبكاني.. ونحن وعبر «الكاميرات».. تدهشنا.. الصور المتدفقة من جنوب أفريقيا.. والدهشة والانبهار.. يعقد ألستنا.. ويستمطر الدموع من مآقينا.. ونقسم أن جنوب أفريقيا قطعة سقطت سهواً أو عمداً من أوربا.. ونقسم مرة أخرى.. أن جنوب أفريقيا.. لو «ربعت» أيديها.. وتوقفت عن التقدم ألف عام.. ونحن في الأمة العربية.. والعواصم العربية.. لو عملنا بأيدينا وأقدامنا ألف عام.. لن نصل.. الى إبهار مدينة واحدة.. من مدنها.. التي تتلألأ.. نجوماً مضيئة.. على مياه المحيط الهندي. ونواصل..