لفترة طويلة تغيبت فيها عن الكتابة ولكنني ظللت اقرأ للاخرين في مختلف الصحف واستمع للمتحدثين في العديد من المنابر وكنت اراقب وابحث وانتظر ردود الافعال لدى القائمين على الامر، و ظلوا يكتبون و يتحدثون وجميعهم كان خطابهم اما ناقداً بناءً او ناصحاً متجرداً وانني طبعاً استثني من يذهبون للاثارة. لقد استهدفوا فيما كتبوا وقالوا النظام الحاكم، المؤتمر الوطني وحكومته ،ومؤسساته، وما تسمى بالمعارضة بكل مكوناتها ،والحركات المسلحة بمختلف مسمياتها، والحركة الشعبية وحكومتها الانفصالية ،بل والمجتمع الدولي نفسه بعصاه وجذرته، ولكن في تقديري ان كل ما صدحوا به ذهب ادراج الرياح كمثلنا الشعبي «الكلب ينبح والجمل ماشي» ولا حياة لمن تنادي والبلاد تتدحرج من هاوية لاخرى فانفصل جنوبه الحبيب وتناقص الوطن الحدادي مدادي والذي ظل مفخرة اهله على مر التاريخ «مليون ميل مربع» وبالرغم من التضحية وانفصال ذلك الجزء العزيز من الوطن لم تتوقف الحروب، فها هي تستمر مع عدد من الحركات المسلحة في دارفور واوارها يستعر في جنوب كردفان ونذرها تتبلور في جنوب النيل الازرق و ابيي، ويستمر التململ في شرق السودان واخشى على الشمال ومجمل الوسط، ذلك مع استمرار تضييق الخناق على ما تبقى من بلادنا وشعبها من قوى الاستكبار الغربي وكل ذلك اذا استمر يولد مزيداً من ضنك العيش وتراكم المرارات وتصعيد وتيرة الاحتقان في اوساط الناس بمختلف مكوناتهم الاجتماعية والسياسية ولا نزال نسمع او نقرأ كل يوم عن لقاء تم او حوار مرتقب او مبادرة تطبخ على نار هادئة او تصريحات متناقضة وتحديات متبادلة بين مختلف الاطراف، تزيد من تفاقم الازمات، ولا حلول موضوعية تلوح مجرد بوادرها في الافق والناس يصبرون وينظرون بعيون الامل والرجاء الى من يعتقدون انهم يديرون امرهم حاكمين او معارضين او مدعين، ولكن في تقديري ان هذا الصبر قد طال والرجاء قد بدأ يتبدد ولا تزال اساليب التربص تستمر والالتفاف حول القضايا الشائكة التي اقعدتنا هو المنهج المتبع، ليقول كل فريق للاخر ان كنت ذكياً فأنا اذكى منك وان كنت تحتمي بالغرب فانا قد اتجهت للشرق ،كل ذلك والحال في البلاد ينحدر نحو مستقبل مخيف. فهل نجلس هكذا نحن شعب السودان الذي تبقى نتفرج على صراع الافيال هذا الذي يدهسنا وسيذهب بكل تاريخنا وارثنا وهويتنا بل ووطنا كله؟ اولاً: نسأل انفسنا سؤالاً منطقياً لماذا هذا الصراع والاقتتال بين جميع هذه الاطراف الداخلية منها والخارجية؟ هل حقيقة كما ظللنا نسمع دائماً هومن اجل الوطن والهوية ورفاهية المواطن ونحن نرى الوطن يتآكل من اطرافه والهوية يحكى عنها ما نراه في حياتنا العامة التي تبدلت فأصبح يقوى فيها المسنود وتموت البقية كاولئك المشردين الذين قضوا نحبهم بالعشرات بين المجاري خلال ساعات من تناولهم مواد السبيرتو والسلسيون او غيرهما؟ ام هل كما نسمع من اطراف اخرى تتحدث عن المهمشين والمستضعفين في الاطراف البعيدة وهم الذين هجروا منازلهم واماكن عيشهم وتفرقوا ايدي سبأ في معسكرات النزوح الداخلية ومحاولات الهجرة الى الخارج، يموتون على حدود اسرائيل وفي عرض البحر! وجميعهم يطحنهم الجوع والمرض والفقر وتلاحقهم الحروب والموت ودمار الديار؟ ام هل كما تطالعنا الاخبار في وسائل الاعلام المختلفة عن المجتمع الدولي ومناديبه ومفوضيه يتحدثون كمدافعين عنا نحن المواطنين من جور ذوي القربى؟ ثانياً: هذه التساؤلات وبما لا يغيب عن فطنة هذا المواطن الصابر تأتي الاجابة منه عليها جميعها «بلا» المغلظة حيث بات واضحاً وجلياً ان التجاذبات والصدامات بين كل هذه الاطراف ليس الا لحماية المصالح الاقليمية والحزبية الضيقة والفردية الممعنة في افراز مراكر القوى و تسابق لعبة الكراسي داخلياً والمصالح الاقتصادية من الخارج. ونحن الضحية في نهاية المطاف اخي الرئيس!! ثالثاً: من هذه القراءة الاجمالية لواقع الحال الذي ظل محجوباً وراء شعارات ترفعها كل هذه الجهات فإنني اتوجه مباشرة للسيد رئيس الجمهورية باعتبار مسؤوليته الشخصية العظمى امام الله والوطن والتاريخ ان ينبري بنفسه لعلاج هذا الواقع الاليم ولدرء ما يستهدف هذا البلد واهله، فالتتجاوز من اجل هذه الغاية الوطنية العظمى كل الذين ظلوا ولسنين تطاولت في السلطة او المعارضة او في الحركات المسلحة او الذين يعينوهم لتركيع بلادنا، تتجاوز كل هؤلاء باغراضهم الذاتية وشعاراتهم المزيفة ،واطرح نفسك وانت تتوفر لك من ثقة شعبك ما يكفي ويزيد.. اطرح نفسك زعيماً قومياً متجرداً عن اي انتماء واتجه باحثاً عن الوطنيين المثقفين والعلماء واصحاب الرأي «تكنوقراط» وقادة المجتمع المدني والتقليدي من جميع الاتجاهات الثقافية والفكرية والسودان العظيم ولود انجب العقول المستنيرة الذكية واصحاب الارادة الوطنية المتجردة ومليء بالمتسامين على انفسهم عن طلب السلطة او الثروة او كنكشة الكراسي والسعي لاقصاء الاخرين. اختم فاقترح تشكيل مجالس استشارية من العناصر الوطنية العالمة والمتخصصة لا يرأسها الوزير أو الوالي في جميع الوزارات والولايات الحالية أو المستقبلية ويدعمها قرار رئاسي يمنحها صلاحية المشاركة في الأمور الكبرى والمراجعة والتقويم في مختلف المسائل وان تحترم رؤاها وتكون قراراتها ملزمة بالتنفيذ. والله من وراء القصد