أي الرجلين يكذب المبعوث الأمريكي إلى السودان برينستون ليمان في حواره مع (الشرق الأوسط) أكد رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع السودان، والعمل علي إعفاء ديونه، وتمكين السودان من الحصول علي التمويل الدولي، نافياً أن تكون الإدارة الأمريكية تضع عراقيل أمام التطبيع، وأن هناك إلتزاماً برفع اسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم روبرت وايتهيد في إجتماعه (السري للغاية) مع ياسر عرمان والذي نشرت وقائعه (آخر لحظة) الأسبوع الماضي قال لعرمان: (سنعمل مع البنك الدولي علي عدم رفع الديون عن السودان، وسنعمل على عدم التطبيع الكامل مع السودان، وعدم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب). الحقيقة الواضحة كالشمس أن أحد الرجلين الدبلوماسيين الرفيعين يكذب، فمن يا تري هو؟ من يا ترى يتعين علينا أن نصدق؟ ليمان الذي هو مبعوث شخصي للرئيس أوباما (البيت الأبيض)، أم وايتهيد الذي يمثل الخارجية؟ أنا شخصياً أميل إلى تصديق وايتهيد لعدة أسباب: فما قاله يعتبر سياسة أمريكية(جارية) منذ أوائل التسعينيات تجاه السودان وحتى هذه اللحظة، ولا جديد يلوح في الأفق البعيد على تغيير هذه السياسة، كذلك فإن درجة مصداقية الوعود التي تقال في اللقاءات السرية أكبر وأعلى من تلك التي تقال في الهواء الطلق، ثم أن وايتهيد هو قائم بالأعمال وتفرض عليه وظيفته وواجبه أن يقوم بتنفيذ سياسة بلاده الحقيقية، وليست المعلنة مع (شركائه وعملائه) بالداخل، ووجوده في الميدان يحتم عليه أن يثابر ويلتزم بتطبيق كل بنود هذه السياسة التي جاء من أجلها ممثلاً لبلده، وإنزالها حيز التنفيذ وتتم محاسبته على التقصير في أدائها، وأخيراً فإن ما يبعث المرء على تصديق ما قاله القائم بالأعمال هو تلك الحميمية والعلاقات(الدافئة)، كما وصفها ليمان بين واشنطون والحركة الشعبية، ثم إن لقاء وايتهيد بياسر عرمان كان (لقاء عمل) بين صاحب العمل وعميله، هو لقاء سيد بخادمه، ولا يعقل أن يهدر السيد وقته الثمين ويضيعه ليكذب على خادمه، ومع ذلك نقول إن كل الاحتمالات واردة ومنها أن يكون كلاهما صادقاً فيما يقول، باعتبار أن كلاً منهما يعكس سياسة الجهة التي يتبع لها، وحتى في هذه الحالة إذا كان هناك صراع خفي بين البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، فإنه على الأرجح أن تنتصر الخارجية التي يدعمها عدد غير قليل ونوعي من جماعات الضغط والنواب المعادين للسودان داخل الكونغرس. أسئلة لمولانا هارون مولانا أحمد هارون والي جنوب كردفان كشف عن اتصالات (خفية) يقودها الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية بالشمال لتقريب وجهات النظر بين الوطني والحركة بالولاية، وقال إن عبد العزيز الحلو أرسل وفداً لأديس أبابا للمشاركة في التفاوض، وقال هارون (إننا نمد أيادينا بيضاء لكل من ينشد السلام) . ومولانا أحمد هارون أخ وصديق وتعاصرنا أيام الطلبة والدراسة في القاهرة فما علمنا عليه من سوء بل خبرناه رجل مهام صعبة وذو مِرّةٍ ومراس في المنافحة عن معتنقه وفكره السياسي وانتمائه التنظيمي منذ تلك الأيام من ثمانينيات القرن الماضي وحتي الآن لم يغير ولم يبدل، ونعلم أنه الآن يقف منافحاً في ثغرة من أهم الثغور وأخطرها يقف وهو يطأ الجمر وفي حلقه غصة من غدر نائبه السابق الحلو ولكن رغم ذلك فهناك أسئلة حائرة كثيرة تفرض نفسها هنا تعليقاً على ما قاله أخونا هارون و هي: هل يعتبر الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية وسيطاً محايداً له الأهلية الكافية بصفته هذه للقيام بمهمة (تقريب) وجهات النظر بين الحركة والوطني؟ وهل إنتفت صفة الإجرام والحنث باليمين عن عبد العزيز الحلو ولما لم تنطفئ بعد نيران تمرده، ولم تجف دماء الشهداء والأبرياء التي سفكها غدراً والذي وصفتموه بالمتمرد والخائن والمطلوب للعدالة؟ هل ستشطب البلاغات التي فتحت ضده بالقتل العمد والإرهاب والنهب والحرابة وإثارة الكراهية ضد الدولة والفتنة بين الطوائف وتقويض النظام الدستوري؟ أم ستحفظ هذه البلاغات في درج عفا الله عما سلف؟ وعلى ماذا سيجري التفاوض مع وفده الذي أرسله إلى أديس أبابا؟ هل تخلى عن مطلبه بتفكيك النظام بهذه السرعة الماكوكية؟ هل تنازل عن مطلبه بعلمنة الدولة وحل قضايا جنوب كردفان ودارفور أولاً؟ هل سيقبل الحلو بفك ارتباطه بالجيش الشعبي وتسريح منسوبيه أو إعادة دمجهم في القوات المسلحة؟ هل سيقبل ويسلم الحلو بنتيجة الانتخابات الأخيرة بالولاية أم سيطلب(دكها) وإعادتها مرة أخرى؟ هل ياترى تبرأ الحلو من شعار (النجمة يا الهجمة) الذي خاض به الانتخابات وإنتهي بالهجمة؟ وهل اقتنع أخيراً وبعد هذه (الدرشة) بأن المشورة الشعبية لا تعني حق تقرير المصير؟ هل آمن الحلو بأن علاقته بحكومة الجنوب كانت خطيئة كبرى يريد التكفير عنها بالجلوس إلى التفاوض حول قضايا جنوب كردفان بإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من شمال السودان ولا علاقة لها بجنوب السودان؟ وهل يستحق الحلو أن تمد له الأيدي بيضاء من غير سوء حتى ولو قال إني تبت الآن؟ ما الوزن الذي يمثله الحلو والذين خرجوا معه في جنوب كردفان؟ هل ستعيد مائدة التفاوض الحلو إلى وضعه السابق إلي ما قبل الخامس من يونيو الماضي نائباً للوالي وكأنك يا زيد ما غزيت أم ماذا؟ وإذا كانت الإجابات على تلك الأسئلة بالإيجاب فأين القضية إذن وما هي المشكلة؟ .نقول إن الحكاية وما فيها هي مؤامرة تنسج خيوطها أصابع دولية شديدة المهارة لتحويل جنوب كردفان إلى(جنوب) آخر عبر نيفاشا أخرى تترسم نفس خطا نيفاشا الأولي حذوك النعل بالنعل وأن القبول بالجلوس إلي التفاوض مع الحلو سيكون ذلك فتحاً للباب أمام (دولة) جنوب السودان لتشارك في حكم شمال السودان وهي كارثة نرجو ألا تتحقق أبداً..