دولة تركمانستان دخلت أضواء وسائل الإعلام العالمية فجأة بعد رفضها لطائرة الرئيس عمر البشير بعبور مجالها الجوي.. ووجد الرفض صدى واسعاً في كافة وسائل الإعلام في المشرق والمغرب.. ونالت تركمانستان حظاً واسعاً من الإهتمام في السودان لم تنله منذ استقلالها مع صويحباتها من قبضة الإتحاد السوفيتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي.. وتركمانستان ليست دولة عدواً للسودان، وليس هناك ما يجعلها معادية لنا، بل هناك العديد من الروابط والنقاط الموجبة التي تجعلها في مصاف الدول الصديقة أكثر من تلك التي تجعلها في خانة الأعداء والعداء للسودان.. فتركمانستان بلد مسلم يدين غالبية أهله بالإسلام، ومشاعر أهلها تجاه المسلمين عامرة بالإخاء والمحبة.. وهم قد حرموا من نعمة الاسلام سنوات طويلة تحت قبضة الشيوعيين القوية.. ولم يتمكنوا من اداء العبادات والشعائر الدينية والصلاة جهراً إلا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي واستقلال بلادهم.. وسارعت دولتا تركيا وقطر بتشييد عدد من المساجد والمراكز الإسلامية في عشق اباد العاصمة، وعدد من المدن التركمانية عقب الاستقلال.. مما مكن المسلمين هناك من الصلاة وأداء الشعائر الإسلامية بسهولة ويُسر.. وهناك عدد كبير من طلابنا الذين درسوا في دول آسيا الوسطى خاصة في اوزبكستان ووكازاخستان، ولكن لأن هذه الدول كانت مغيبة ضمن منظومة الإتحاد السوفيتي فكان يقال: إن أبناءنا يدرسون في موسكو أو في الإتحاد السوفيتي بشكل عام.. وقد درس الآلاف من أبناء السودان في كافة أرجاء دول الإتحاد السوفيتي من أصقاع سيبيريا وحتى مناطق شبه جزر القرم في اوكرانيا وفي كل دويلات آسيا الوسطى. ودول آسيا الوسطى التي انعتقت من ربقة الإتحاد السوفيتي هي كازاخستان وطاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان وغيرغزستان.. وهناك أيضاً دولتا آذربيجان وارمينيا وهما اقرب إلى الدول الاوروبية من حيث الموقع.. وارمينيا المسيحية تبدو نشازاً بين دول تلك المجموعة الإسلامية.. وهناك عداء سافر بين الآرمن والآذريين، ودخلت الدولتان آزربيجان وآرمينيا في حرب عقب استقلالهما.. وكل هذه الدول نالت استقلالها في 1991.. وتربع على عرش الحكم فيها حكام لم يختلفوا عن بعضهم، وكان أكثرهم مثاراً للجدل وللعذاب صابر مراد نيازوف رئيس تركمانستان السابق، الذي أوشك أن يكون رئيساً مدى الحياة، بل ربما أوشك أن يدعي النبوة كما زعم بذلك بعض الناس- والله أعلم-! ولكن كان الموت أسرع منه، وفرح التركمانيون بزوال حكمه وانتهاء سنوات حكم عبادة الفرد الواحد في بلد قليل تعداد السكان.. ويمتلك ثروة هائلة..! تلك الدول المنسية عادت إلى الحياة بعد استقلالها واستيقظ معها تاريخ طويل من عصور الإسلام الزاهرة، وكذلك ذكريات مريرة من حروب دامية كان لها تأثيرها على الإسلام وتاريخه الحضاري ونوره الذي أضاء ظلمات العالم في تلك العهود. ودول آسيا الوسطى تمثل قوة إقتصادية وسياسية هائلة إذا توحدت تحت اي من مسميات الاتحادات الاقليمية، ولكن قد يحتاج هذا الأمر إلى سنوات طويلة حتى يتحقق، مع المشاكل المتوارثة والمتراكمة التي تعاني منها كل دولة من هذه الدول، وهي في مجملها متشابهة في كل دولة.. ولا تمسح روسيا لهذه الدول بأي شكل من اشكال الإتحاد والتضامن، حيث ما تزال تحسبها ضمن منظومتها، ويجب ألاّ تنفك من آسارها.. ويشكل نفط بحر قزوين أحد أهم الأطماع في آسيا الوسطى.. حيث تبذل الولاياتالمتحدة واسرائيل والدول الغربية من جانب روسيا من الجانب الآخر- وعلى مقربة من المشهد دولة ايران- كل المساعي من أجل الحصول على تلك الكميات الهائلة من النفط! وكازاخستان مشروع دولة عظمى، حيث تفوق مساحتها مساحة السودان قبل الإنفصال مرة ونصف المرة، وتعداد سكانها يتجاوز 15 مليوناً بقليل؛ وهي غنية بالنفط والمعادن، وهي البلد التي تنطلق منها مركبات السوفيت سابقاَ، والروس حالياً ودول آخرى إلى الفضاء.. وهي بلد زراعي وواعدة بخير بلا حصر..! وكل دول آسيا الوسطى تجمعها ثروات النفط والغاز والذهب والمعادن والقطن وتفرقها السياسة والحدود الجغرافية المتداخلة. لقد كانت أمام الدول العربية والاسلامية فرصة ممتازة للاستفادة من دول آسيا الوسطى التي مجدت نفسها بعد استقلالها في مهب الريح، وأمام تبعات ثقال تعاني منها حتى اللحظة.. ولعل الدولة الايرانية كانت سباقة في الإستفادة من بعض هذه الدول، حيث نجحت في استقدام عدد من علماء هذه الدول في مجال الفضاء والعلوم النووية.. كما استفادت تركيا أيضاً بحكم علاقاتها القوية بمعظم هذه الدول عدا ارمينيا التي لها ثأر قديم مع تركيا ما زال ماثلاً حتى اللحظة.. ولتركيا علاقات مميزة مع تركمانستان ومع التركمانيين، وهناك العديد من المنشآت التي قامت تركيا بإنشائها وخاصة المساجد والفنادق.. ولكن المهم في تركمانستان أنها من الدول الغنية بالغاز ولعلها الثالثة أوالرابعة التي تمتلك إحتياطياً للغاز بين دول العالم.. وهي غنية بالنفط وبالزراعة، حيث تصدر القطن كمنتوج إقتصادي مهم.. وتجاور الدولة العدو الإسرائيلي، ولاسرائيل أطماع واسعة هناك وتتغلغل بشكل واضح في مفاصل السياسة والاقتصاد في تركمانستان.. وعلى مرمي حجر من ايران، فضلاً عن مجاورتها لافغانستان وكانت مركزاً مهماً في حرب الاتحاد السوفيتي ضد أفغانستان.. وآذربيجان دولة نفطية غنية ومن مشاكلها البارزة حربها مع آرمينيا.. و آذربيجان دولة تتقدم بشكل واضح، وأصبح لها ثقل اقليمي وقاري، وانفتحت بشكل أفضل على العالم خاصة العالم الإسلامي. ربما تستحوذ تركمانستان ذات يوم على انتباه كل سكان الكرة الأرضية إذا ما خرج منها ذات يوم (المسيح الدجال) الذي يقال إنه ربما يخرج من مدينة (مرو) في تركمانستان.. وهناك شبه إجماع لدى كثير من المفسرين والرواة وأهل التاريخ أن ياجوج وماجوج سيخرجان من إحدى دول آسيا الوسطى..! وقد خرج في عهود غابرة التتار ودمروا الحضارة الإسلامية، وأحرقوا بغداد وأغرقوا خزائنها من الكتب النفيسة والقيمة في نهري دجلة والفرات.. ولا أنسى أن اذكر أن أحد أشهر تجار القطن في تركمانستان تاجر سوداني اسمه عبدالله بدري-رحمه الله- من منطقة الكتياب في شندي.. وكان يشتري معظم قطن تلك الدولة، وله مكتب في أحد المدن السويسرية ويعمل في تجارة الثياب السودانية.. وكان مشهوراً جداً في عشق اباد، وقد قابلته هناك قبل سنوات ولمست مدى شهرته ونفوذه وقتها! أود أن أشير إلى وزرائنا في الخارجية والتعاون الدولي بتوثيق علاقات بلادنا مع دول آسيا الوسطى وآذربيجان، وهناك الكثير المفيد الذي يكمن أن يتحقق وأن نستفيد من تجربتنا الماثلة مع تركمانستان، فنجعل منها بلداً صديقاً وهي في كل الأحوال ليست بلداً عدواً للسودان، وكما قال الأستاذ علي كرتي وزير الخارجية معلقاً على تعديل مسار طائرة الرئيس البشير: إن الأمر كان خطأ فنياً محضاً وليس عملاً سياسياً مقصوداً.