الصديق الغالي جداً الظافر.. أشواقي لك لم تفتر.. لحروفك السنابل القنابل.. لذاك الفرح الذي تهبنا له كل يوم.. كل يوم.. أطالعك من «دغش الرحمن».. لتمسح من صدري أحزان السنين ووجع الهم وترفع من ضلوعي صخوراً صماء وثقيلة أنام يوماتي وهي تضغط من غير رحمة على صدري.. مشكلتي.. بل محنتي.. أني أحب الوطن حباً قد برى جسدي.. أحمله صبحاً ومساء.. أبكي كل يوم وأنا أشاهد دموعه تجري كما سيل «أبو قطاطي».. ولكن ما أن تشرق الشمس وحتى قبل أن تشرق الشمس أهرول إلى كشك الجرائد.. ألتقيك وأنت تخفف عني عذابات الضنى.. وتكيل «بالربع الكبير» للحكومة التي ما تركت في جسدي شبراً بل بوصة إلا وكان بها طعنة من قرار وضربة من إمتهان و «عكاز» من قهر.. وخدش من عسف وجباية.. والظلام كثيف والحكومة توصد الأبواب.. أبواب الأمل أمام شباب بلادي.. الذين يضعون شهادات تخرجهم في جيوب «بناطيلهم» البالية.. والتي «تكرمشت» بل تمزقت من عنت «فردها» و«طيها» أمام لجان التقديم للشغل.. أي شغل.. وأخيراً لا يقبض الخريج بعد أن سقى عمره «بكا».. ولم يقبض غير الريح.. وحتى لا «تفرح» كثيراً.. أنا أقرأ أيضاً في كل صباح.. للباز.. وعووضه وشبونه.. والمكاشفي.. «لأرتاح».. وصدقوني يا الظافر.. أنت والأحبة الوارد ذكرهم أعلاه وبجانبك.. أنا لا استمتع ولا «أتفشى» فحسب.. بل إني استمد منكم الرجالة والبسالة.. وأتعلم منكم كيف تنحاز في حديدية وضراوة إلى شعبك وكيف تذوب وجداً في مواطنيك وكيف تحترق اشتعالاً في قضايا وطنك.. غير عابئ بأي ثمن تدفعه.. كان يسيراً أو باهظاً في سبيل وطن شاء الله أن نشهد ذبحه «بسكين ميتة». صديقي.. اليوم دعني أعاتبك.. قطعاً لن يكون عتاباً غليظاً خشناً بدوياً كما ذاك الأعرابي الشجاع.. الذي قال.. إذا الملك الجبار صعّر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه.. كما أنه ليس كعتاب ذاك الشاعر الفحل.. الوضيع «الشحاد» المتنبئ وهو يعاتب سيف الدولة في ذلة ومسكنة وخضوع وانكسار وخنوع.. إذن دعه يكون مثل «ملك التسامح» البروف «السر دوليب» ذاك الرجل الذي يعاتب الحبيب في رقة صفق الورود.. ويهمس مثل أنسام السحر معاتباً.. ولكنه أخيراً.. يصفح.. وينسى.. ويعفو.. أعاتبك صديقي لعتابك المكلوم.. الباكي حد الوجع..رفيقة دربه وتوأم روحه وشريكة نضاله وعمره.. فتحي الضو.. نعم إنك قد كتبت في روعة عن روعة رثاء فتحي لزوجه الراحلة.. ولكنك أيضاً كتبت عن رثاء أو وداع.. أو مناجاة فتحي.. للراحلة زوجه وداد إنه قد «حمل الرثاء شحنات سياسية لا تتناسب والمناسبة».. يا صديقي الظافر.. وقبل أن أدافع عن ذاك النهج البديع والرصين.. والمدهش الذي خطه قلم فتحي.. دعني أقرر.. أني أعرف فتحي جيداً.. بل أكاد أعرفه بالتفصيل.. رغم أني لم أتشرف بمعرفته شحماً ولحماً وعظماً ودماً.. بل عرفته من حروفه التي تصور روحه في تقنية عالية وفي مهارة تعجز حتى بيكاسو «يعني» لم أعرفه إلا من صفحات الصحف.. وإن كنت أؤكد.. بل أقسم جازماً بأنه لا يعرفني وحتى لم يسمع بي مطلقاً.. إذن كل ذلك.. حديثك ومرثيته.. وحديثي.. يندرج صدقاً وحناً تحت بل داخل دائرة «العام».. وفي يسر.. إن فتحي ملك للوطن.. أو على الأقل ملك لفئة كبيرة من أبناء الوطن.. «يعني» دموعه.. دموعنا.. وحزنه أتراحنا.. وضحكه سعادتنا.. وأي «صداع» يصيبه.. تتداعى له أجسادنا نحن بالسهر والحمى.. الظافر.. غداً أحدثك عن روعة اختلاط بل انبهام الفواصل بين الخاص والعام.. مع السلامة.. وحتى بكرة.