ü يبدو أن رعود الخريف و «زِيفة» رياحه قد دقت على أبواب مجلس تشريعي الخرطوم وأقلقت منامه، فصحا منزعجاً، وخرج إلى شوارع المدينة وأحيائها ومواقفها العامة، فاكتشف فجأة أن كل شيء خطأ، وبدأ - من أول جديد- وفي قلب الموسم الماطر يبحث عن حلول للكوارث ويوجه الملامات ويطالب بتوجيه العقوبات، لعل وعسى أن يكون بذلك قد لحق قطار «الجمهورية الثانية» وحجز مقاعده في الدرجة الأولى أو المخصوصة، فإظهار الحراك والهمة والاهتمام يبدو أنه من مقومات السفر على «قطار المفتخر» المنتظر تدشينه في أعقاب الانفصال وحلول الجمهورية الثانية. ü فقد حملت صحف الأمس أنباءً تفيد بأن مجلس تشريعي ولاية الخرطوم قد «وجه انتقادات لاذعة» لوزارة التخطيط والتنمية العمرانية الولائية «بعد أن فشلت» في تصريف مياه الأمطار بشوارع الولاية وميادينها بسبب عدم تطهير المصارف الرئيسية مبكراً - على حد قولهم- وحذروا من كارثة بيئيه محدقة بسبب «اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الأمطار» في بعض أحياء الولاية!!. ü ياسلام.. ما أعظمه من اكتشاف، ويالها من متابعة ورقابة برلمانية «ما تخُرِّش ميَّه» على قول المصريين!! الآن في «نص الخريف» يصحو المجلس ليحدثنا ولتنشر الصحف مواقفه و«غضبته المُضرية» في وجه وزارة التخطيط.. لكأنما ذلك يحدث للمرة الأولى أو في هذا العام بالذات، أو كأنما هو شيء طارئ في حياة العاصمة التي أجاد أحدهم في وصفها بأنها تحولت إلى «كوشه كبيرة»، فنواب المجلس يتحدثون عن الخطر والكارثة البيئية «المتوقعة» جراء اختلاط مياه المجاري بمياه الأمطار، وكأنهم لم يكونوا معنا أو عادوا لتوهم من «اغتراب طويل» فلم يروا ولم يسمعوا بمياه المجاري «الداشرة» في وسط السوق العربي أو في أرقى أحيائها القديمة والمنظمة «نمرة 2» و «العمارات»، أم ترى أن عرباتهم الفارهة والعالية والمعطرة لم تكن تسمح لهم باكتشاف ما تحتهم من ناس وقاذورات وروائح كريهة، والآن فقط بعد أن «حل الخريف حلّ» اكتشف هؤلاء السادة أن هناك مشكلة. ü الاكتشاف جاء نتيجة خطأ «ارتكبته» الوزارة المعنية، وزارة التخطيط والتنمية العمرانية، بتقديمها تقريراً إلى المجلس في هذا التوقيت، وبذلك نبهت المجلس من حيث لا تحتسب بأن هناك مشكلة أو جملة مشاكل يمكن أن يكون الحديث عنها «مبريء للذمة» السياسية أو الرقابية، ويمكن الأعضاء المحترمين من حجز مقاعدهم مبكراً في قطار «الجمهورية الثانية» المفتخر بإذن واحد أحد، فلو أن الوزارة لم تفعل ولم تخطئ، ما كان «حدِّ داري ولا جايب خبر»، ولكن يبدو أن أمراً ما حرك الوزارة لفعل ذلك، وتوجهت للمجلس بتقريرها، ربما لتمرر بعض «الموازانات» أو الحصول على بعض «الموارد» حسبما ما يتطلبه «المخطط والتخطيط»، ففوجئت بهذه «الهبة الهوجاء»، لكنها لم تنزعج لأنها تعرف «البير وغطاها» وموقنة بأن كل شيء سيسير إلى منتهاه ويبلغ غايته، وأن غبار «الهبة» سينجلي سريعاً كالعادة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون بعض «التُوم والشمار» الضروري للتبهير وإضفاء طعم لاسع ومحبب على الموقف!. ü من بين اكتشافات المجلس المحترم في هذه «الصحوة» المتأخرة هو الأخطاء الهندسية «لموقف كركر»، بعد أن تحول الموقف إلى «جزيرة معزولة» - ربما تشبه توتي القريبة ناحية الشمال التي لم تعد معزولة- وبلغ «الغضب» ببعض النواب إلى المطالبة «بسحب الرخصة من الشركة المشرفة على موقف كركر للمواصلات ومحاسبتها على الأخطاء الهندسية». أطرف ما في الأمر أن قرار المجلس جاء بعد قرار ولائي نشرته الصحف خلال الأيام القليلة الماضية بإلغاء «موقف جاكسون» جملة واحدة!! وهذا ما يسمي عند السودانيين ب«الجس البعد الضَبِح»، وقصة «كركر» معروفة وسارت بها الركبان من زمان، والشركة قد قضت وطرها من الموقف، فأي حساب - أحبتي النواب- خلوا الحساب لرب الحساب، الذي لا ينام ولا يأكل الطعام. ü تحدث بعض نواب المجلس أيضاً رداً على تقرير وزارة التخطيط، وانتقد نظام الآبار التي أنشأتها الوزارة بالميادين العامة لشفط مياه الأمطار، وقال إن التجربة فشلت تماماً وأهدرت ملايين الجنيهات من المال العام، وقال إن «وزارة التخطيط تحتاج لتخطيط نفسها» عيني باردة .. عبارة جميلة وموفقة: التخطيط تحتاج لتخطيط نفسها!! لكن مع ذلك نقول للسيد النائب- ليس دفاعاً عن الوزارة- إن تهدر ملايين الجنيهات في «تجربة عملية فاشلة» خير من أن تهدر أضعافاً مضاعفة في الاحتفالات والمهرجات السياسية «المليارية»، على الأقل «المهدرة» في التجربة الفاشلة قد تورثنا خبرة، فأحياناً تضطر أن «تتعلم بفلوسك» كما يقولون!! ü من ناحيته، أقر وزير التخطيط والتنمية العمرانية، وبكل طمأنينة وراحة بال، «بوجود قصور في بعض الإنشاءات» وحمل المسؤولية في ذلك - بكل بساطه- لشُحِّ التمويل واعتمادهم على الاقتراض الكامل.. يعني شغلهم كله «جرورة وبالدين»، وبالتالي ليس من حق أحد من النواب أن يتوقع من الوزارة أن تكون «بالدين تسوي الزين»، وقال الوزير إن كلفة المصارف الخرسانية «باهظة جداً» وإن وزارته تعمل في ظل الإمكانات المتاحة بشكل جيد، و «وافق» على أن بعض الشركات أداؤها سيئ وتمّ حظرها ، لكن الأهم من ذلك عنده «أن الخرطوم أرضها منبسطة ويصعب تصريف المياه عنها» كما قال، فهل يقترح المهندس وزير التخطيط أن «نرحِّل العاصمة» وما فيها من بشر ومؤسسات وننتقل بها إلى موقع آخر أفضل وأسهل تصريفاً، حتى نوجد حلاً جذرياً لمشكلة الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، أظن أن إفادته تقود - منطقياً- إلى مثل هذا الاقتراح وربنا يهوِّن.. وبرضو رمضان كريم!.