تحاول اعتصار الذاكرة المتخمة بالهموم وفواجع الزمن ، تطير على جناح عصفور ناس أواخر الليل الى قرية منسية في الشمال ، قرية تقع بين النيل ومجاهل الصحراء الكبرى ، تبحث في دروب الماضى ولى زمان عن وجهك القديم ، تسأل حيطان البيوت المتعبة ، عن طفل حافي القدمين كان يركض على رمل الطريق بين الساقية وباب الحراز ، تكاد تسمع تصدعات الحيطان في منزلكم القديم تسخر منك وتمد الاشجار الباهتة لسانها الطويل ، قبل سنوات لم تعد تذكرها كنت ، ترتاح في فضاء منزلكم القديم ، وتنفض عن ذاكرتك غبار المدن ورائحة الاسفلت ، كنت تستمتع بعزوة الاهل ، لا زلت تذكر ان باب الحراز كان يفتح شرقا تجاه النيل ولا زلت تتذكر سوق العصافير ، ورائحة قهوة الصباح وكركرة الاطفال ، الآن كل شيء اختلف ، لم تعد تلك الدار كما كانت اصبحت خاوية على عروشها ، لا شيء يؤنس وحشتها سوى وشوشة اشجار النيم وصفير الرياح وهي تمرق من بين من شقوق الجدران المتصدعة ، تقف وحيدا تبكي على الاطلال ، تبحث عن شجرة عتيقة من سنة حفروا البحر ، شجرة كنت تتسلقها مثل قرد البابون ، تسأل هل لا زالت فروعها العتيقة تحمل شخبطاتك ) للذكرى والتاريخ فلان بن علان الفرتكاني يوم كذا شهر كذا ) ، تبحث عن تلك الشجرة تمد بصرك للفضاء تجدها اثراً بعد عين وقد فارقت مكانها قبل سنوات طويلة ، تبحث عن دومة بت عسكر تتذكرها الآن كانت مجرد شتلة ذابلة ، وشهدت بأم عينك مراحل نموها وشموخها في الفضاء ، لم تعد تلك الدومة تستقبل العصافير في آخر النهار ، هي الاخرى اغتالتها الفؤوس واصبحت مجرد ذكري باهته في الذاكرة ، تشعر أن جزءا من ماضيك اكتسحته الرياح ، تردد قول الشاعر وانت في قمة الاحباط ( لا.. الاهل اهلي ولا الديار دياري ) ، تحاول البحث عن شيء من ماضيك ، تجد جميع غرف منزلكم متهدمة حتى المزيرة لم تسلم من اعصار الزمن ، تقول وانت في قمة اوجاعك آه ليتني استطيع ان اقبض على وهج اللحظات الهاربة من العمر ليتك تستطيع اعادة عجلة الزمن ، تذكر قصة الخيال العلمي ، آلة الزمن تتمنى وما نيل المطالب بالتمنى ان تجد تلك الالة الفنتازية لا لتسافر الى المستقبل وانما الى الماضي السحيق ، حينما كنت تستلقي على ضؤ القمر وتستمع الى اغنية ليلية عبر الاثير ، تتذكر في تلك اللحظات اغنية الصوت الملائكي فيروز وهي تزحم الخاطر تركوا لنا المفاتيح تركوا صوت الريح وما تركوا عنوان تنهض من غيبوبة الغناء الجميل ، تكتشف ان كل هذا السيناريو مجرد دراما من سيناريوهات احلام زلوط ، وان آلة الزمن حتى وان جاءتك على طبق من ذهب ، لا يمكنها استعادة ولو جزء بسيط من الماضي ، تستيقظ من حلمك الاثير ، وتجد نفسك تبحلق في جهاز الحاسوب ومن خلفك ، مشرف الشؤون المحلية في الصحيفة ، يسألك عن تحقيق مدائن صالح .