أحداث متسارعة شهدها السودان منذ انفصال جمهورية جنوب السودان التي تقدم السودان بشكوى ضدها لمجلس الأمن الدولي بحجة زعزعة الاستقرار في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تدور فيهما معارك عسكرية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال التي بدأت بمهاجمة مواقع القوات المسلحة في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق كما تم توقيع اتفاقية سلام الدوحة بين حركتي التحرير والعدالة والحكومة السودانية من أجل إنهاء الصراع الدائر في دارفور منذ ثماني سنوات بينما هناك حوار متعدد المحطات يدور بين الحكومة وأحزاب المعارضة للمشاركة في السلطة فيما وجه حزب العدالة القومي دعوة لرئيس الجمهورية لقيادة حوار وطني شامل لتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر التي لا زالت تهدد البلاد. صحيفة «آخر لحظة» التقت بالأستاذ/ أمين بناني نيو رئيس حزب العدالة القومي وزير الدولة الأسبق بوزارة العدل وأجرت معه الحوار التالي: كيف يمكن أن ينجح الحوار الدارفوري في ظل وجود حركات مسلحة تعيق حركة المواطنين بصورة طبيعية؟ - هناك اهتمام بالحركات المسلحة بصورة فيها شيء من المبالغة، ولكن مجتمع دارفور أقوى من الحركات المسلحة، فالحركات المسلحة حتى لو أعطيت السلطة والثروة لا تستطيع أن تحكم دارفور لوحدها، فالحركات نفسها تدعي بأنها تعمل من أجل مصالح مجتمع دارفور فكل حركة تحاول أن تحصل على تعاطف المجتمع الدارفوري، ولذلك لابد من التركيز على المجتمع وحمايته من العناصر التي تحاول إضعافه سواءً كانت عناصر خارجية أو داخلية. ولكن أزمة دارفور ناتجة عن استمرار القتال وليس نزاع مجتمعات محلية.. فكيف يمكن إنهاء هذا الصراع سلمياً؟ - أزمة دارفور بصورة عامة متشعبة فالمخاطر التي أطالت أمد النزاع ليست محصورة في الحركات المسلحة وإنما القتال القبلي الذي دار خلال السنوات الماضية، فالأضرار الناتجة عن الصراعات القبلية في دارفور أشد قساوة من الصراع الذي يدور بين الحكومة والحركات المسلحة، فالصراع في دارفور يختلف عن الحرب في جنوب السودان لأن دارفور لا توجد فيها حركة مسلحة تسيطر على المجتمع كما كانت تفعل الحركة الشعبية في جنوب السودان بقيادة جون قرنق. هل تعتقد أن حل أزمة دارفور يكمن في إجراء المصالحات القبلية كمحور أساسي لإنهاء الحرب؟ - المجتمع في دارفور إذا وجد اهتماماً عبر حوار دارفوري دارفوري يمكن أن يتجاوز مشاكله القبيلة بصورة سريعة، ولكن أزمة دارفور لا تحل بصورة نهائية ما لم يتحاور حولها كل السودانيين كقضية محورية تشكل تهديداً للوحدة الوطنية. هل لديك تصور محدد للحوار الدارفوري الذي تدعو له؟ - الحوار الدارفوري يجب أن يشمل كل قطاعات المجتمع، فالمؤتمرات السابقة التي عقدت في دارفور تشكل نموذجاً جيداً للحوار ويمكن أن تُطور تلك المؤتمرات بإعادة النظر في القضايا التي طرحت خلال الفترات السابقة.. كما أن الحوار يجب أن يتم بعيداً عن رعاية الدولة والتدخلات الأجنبية أو تأثير الحركات المسلحة، فالحوار المستقل يستطيع معالجة الأزمات الاجتماعية والثقافية والسياسية بالإقليم بصورة موسعة. ولكن ألا تعتقد أن حصر الحوار في المجتمع الدارفوري سيقوي النزاعات المحلية التي كانت سبباً في الصراعات القبليةبالإقليم؟ - حوار المجتمع الدارفوري لا يقوي النزاعات المحلية في مواجهة المركز لأن القبائل ليست كيانات سياسية، ولذلك في مؤتمراتها تتحاور حول أجندة قبلية تدور في إطار العلاقات القبلية ومسؤوليتها التاريخية في الاستقرار فلا يوجد توجه لبناء مجتمع قبلي في دارفور فيما القبائل يتم تطويرها من كيانات عرقية إلى مؤسسات مجتمع مدني. الحركات المسلحة تتقوى بالقبائل أليس ذلك سيخلط أوراق الحوار الدارفوري الذي تتحدث عنه؟ - الحركات المسلحة في بداية الأزمة تقوت بالقبائل، ولكن في الآونة الأخيرة فطنت القبائل في دارفور إلى الفتنة التي حدثت فيما بينها ولذلك قررت القبائل الابتعاد عن الحركات المسلحة، كما أن الحكومة في إطار الصراع في دارفور لجأت لأسلوب الموازنات القبلية وذلك أجج الصراع بصورة غير مباشرة بين القبائل، ولكن القبائل في نهاية المطاف راجعت مواقفها تجاه سياسات الدولة وعملت على فصل الأجندة الأخيرة عن الأجندة الحكومية، فهناك وعي كبير للمجتمع في دارفور. كيف تنظر إلى زيادة عدد الولايات بدارفور؟ - تقسيم دارفور لولايات رؤية نابعة من مؤتمرات دارفور السابقة رغم وجود خلاف نسبي حول عودة دارفور لإقليم واحد، ولكن زيادة عدد الولايات ليس موضع خلاف بين القبائل أو الحركات المسلحة أو الحكومة فيما مجتمع دارفور يستطيع أن يعد دستوراً إقليمياً ينظم فيه علاقات الحكم وحقوق المواطنة بالإقليم في إطار السودان الموحد، فاتفاق السلام القادم سيكون في شكل دستور يحكم دارفور ضمن السودان الكبير. إعداد دستور منفصل لحكم الإقليم ألا تتوقع أن يؤدي ذلك لبروز نزاعات انفصالية مثل ما حدث في جنوب السودان؟ - دوافع الانفصال هي الظلم وغياب العدالة والحريات، والفقر وكثرة النزاعات وضعف المركز، فحالياً مسببات الانفصال موجودة في كثير من أجزاء السودان، فيما المؤسسة الوحيدة التي لازالت تحافظ على وحدة السودان هي القوات المسلحة رغم أن الجيش يستمد قوته من الرؤى السياسية وقوة الاقتصاد وعلاقات السودان مع العالم الخارجي. هل أنت من دعاة الحكم العسكري بدلاً عن النظام الديمقراطي؟ - لست من دعاة الحكم العسكري للبلاد ولكن في الوضع الراهن أهم مؤسسة تستطيع الحفاظ على وحدة السودان القوات المسلحة، ولذلك يجب ألا يختلف السودانيون على القوات المسلحة حتى لا تصبح البلاد مهددة بالتفكك. هل تعتقد أن الرئيس في المرحلة المقبلة يجب أن يكون من المؤسسة العسكرية؟ - السودان يجب أن يحكم عبر صناديق الاقتراع في المستقبل، ولكن الحديث عن الرئيس عمر البشير في هذه المرحلة يصبح أكثر الشخصيات تأهيلاً لحكم البلاد في ظل المخاطر التي تواجه البلاد، فهو القائد العام للقوات المسلحة وابن المؤسسة العسكرية. كيف ترى أن يحكم السودان في المستقبل؟ - الحكم في السودان يحتاج لإدارة حوار وطني يعيد النظر في نظام الحكم بصفة عامة من أجل التوصل إلى حلول شاملة تضمن في دستور قومي يتفق عليه كل السودانيين، فمثلاً مسألة الإقليم الواحد لا يطالب بها أهل دارفور وحدهم، بل المواطنون في الولاية الشمالية وكردفان والشرق والجزيرة جميعهم يطالبون بالإقليم الواحد، كما أن هناك أحزاب سياسية تقوم رؤيتها على تقسيم السودان لأقاليم، ولذلك يجب أن تناقش قضية الإقليم بصورة موسعة حتى لا يفرض حكم الإقليم على السودان من الخارج فهناك نموذج اتفاقية «دايتون» قائم فالسودان يواجه تدخلات دولية بأشكالها المختلفة. هل أنت من دعاة الحكم الإقليمي في السودان؟ - لست من دعاة الحكم الإقليمي لأنه يشكل مركزية إدارية، ولكن ادعو لقيام حكم توزع فيه السلطات بين مركز قوي وأطراف قوية، ففي الوقت الراهن هناك حديث عن أضعاف سلطات المركز لصالح الولايات، وإذا حدث ذلك سوف يكون خطأً كبيراً، فكل إقليم يجب أن يكون له الحق في إدارة موارده وتحديد نظام الحكم فيه، ولكن ذلك يجب أن يتم بالتنسيق مع المركز. أليس النظام الذي تتحدث عنه دعوة للكونفدرالية؟ - النظام الكونفدرالي فيه سلبيات وإيجابيات رغم أني لا أرى أن الكونفدرالية هي النظام الأمثل لحكم السودان، ولكن المقصود بناء نظام فيدرالي واسع الصلاحيات يقوم على سلطات حقيقية، فحالياً مكتوب في الدستور هناك صلاحيات للولاة، ولكن عملياً غير موجودة بسبب هيمنة المركز على الحكم. هل تعتقد أن هيمنة المركز حالت دون إنهاء الصراع في دارفور؟ - المفاوضات الطويلة مع الحكومة والتدخلات الدولية أفرغت الحركات من مضامينها الحقيقية، ولذلك أصبحت تنقسم لمجموعات مسلحة صغيرة من أجل تحقيق مصالح ذاتيه. إذاً كيف سيتحقق السلام في دارفور في ظل وجود الحركات المسلحة المتعددة؟ - لا بد من الاتجاه لمجتمع دارفور وإدارة حوار عميق من أجل الوصول إلى سلام دائم يقوي وحدة السودان. هل سيتحقق السلام بدون الحركات المسلحة التي يصعب التفاوض معها بصورة مجتمعة؟ - هناك صعوبات في التوصل لاتفاق سلام مع كل الحركات المسلحة بدارفور، لأن بعض الحركات وجودها رمزي والبعض الآخر حركات وهمية ولذلك يجب ألا ينشغل الناس بالحركات والسلاح والمفاوضات الجانبية، فلابد من منهج لإدارة حوار وطني وحوار دارفوري دارفوري فالحكومة والحركات المسلحة تتفاوض مع العالم دون اهتمام بالمجتمع المحلي الأمر الذي يعرض المصالح الوطنية للخطر. هل الحركات تحركها أجندة خارجية؟ - الحركات المسلحة ترعاها مؤسسات أجنبية وأجهزة مخابرات ومنظمات مشبوهة وأنظمة لها أجندة خاصة فالحركات المسلحة غير مستقلة في اتخاذ القرار، كما أن الحكومة غير مستقلة في اتخاذ قرار تحقيق السلام، الأمر الذي أطال أمد النزاع بإقليم دارفور. إذا كانت الحكومة والحركات المسلحة غير قادرة على اتخاذ قرار تحقيق السلام في دارفور ما هي الجهة التي ستكون قادرة على إنهاء الصراع في تقديرك؟ - الحوار الوطني الواسع يستطيع السودانيون من خلاله إنهاء الأزمة ومعالجة كل القضايا العالقة. كيف يتم إنهاء الصراع في ظل عدم مشاركة الحكومة والحركات المسلحة كأطراف رئيسية في النزاع؟ - الحوار الوطني يتطلب الاتفاق على الأجندة والمنهج وستقبل به الحكومة والحركات، فالشعب السوداني وحده يستطيع إدارة حوار شامل لإنهاء الأزمة، فهناك فرصة للتشاور حول شؤون البلاد حتى لا يتفكك الوطن. هل منح دارفور منصب نائب رئيس الجمهورية سيعجل من حل الأزمة؟ - منح المناصب لدارفور مسألة تتجاوز الزمن فدارفور لعبت دوراً كبيراً في تأسيس أول دولة وطنية بالسودان هي الدولة المهدية كان أول حاكم لدولة المهدية الخليفة عبد الله من دارفور، ولذلك منح أو توزيع المناصب لا يحل الأزمة القائمة وإنما الحل يكمن في الحوار والاتفاق على أجندة بناء الدولة السودانية بعد ذلك تصبح المناصب الدستورية لكل أبناء السودان دون استثناء إقليم بعينه. إذاً أنت لا تتفق مع الذين يطالبون بتخصيص منصب نائب رئيس الجمهورية لدارفور؟ - في إطار الرؤية الضيقة للحكم تحتاج دارفور لأن يكون لها ممثل في مؤسسة الرئاسة وتحتاج أيضاً لوظائف أخرى، ولكن التمثيل لا يحل المشكلة ولن يقدم لأهل دارفور شيئاً.. فحالياً هناك أحد أبناء دارفور وزيراً للمالية وآخر وزيراً للعدل، ولكن هل توليهم الوزارتين المهمتين حل المشكلة، فالأزمة لازالت مستمرة ولذلك لابد من الاتفاق على صيغة لبناء السودان الحديث. ألا تخشى أن يؤدي منح منصب نائب رئيس الجمهورية لدارفور إلى تأجيج الصراعات القبلية بسبب صعوبة الاتفاق على شخصية محددة تتولى المنصب؟ - في ظل الوضع الراهن وغياب الحوار الدارفوري الدارفوري وغياب الحوار الوطني يمكن ان تقع سلبيات ووارد ان تتبدد الأفكار الطيبة وإذا لم يحسن استخدام منح منصب نائب الرئيس لولايات دارفور سوف يتحول المنصب إلى جزء من المشكلة القائمة حالياً. ما هو تصورك لوجود الحركة الشعبية قطاع شمال كحزب سياسي؟ - العناصر الشمالية بالحركة الشعبية جزء من السودان وعليها المشاركة في مستقبل بناء السودان، ولكن عليهم أن يعيدوا ترتيب أوضاع الحزب من جديد بما يتوافق مع وضع السودان بعد انفصال الجنوب. هل الحركة الشعبية بعد انفصال جنوب السودان أصبح وجودها غير شرعي من الناحية القانونية؟ - الحركة الشعبية كحزب سياسي غير موجود بعد انفصال جنوب السودان، ولكن يحق للعناصر الشمالية بالحركة تسجيل حزب جديد يطلقون عليه الحركة الشعبية. ولكن الحركة مسجلة وفق قانون الأحزاب لماذا يعاد تسجيلها كحزب سياسي مرة أخرى؟ - حالياً لا يوجد حزب يسمى الحركة الشعبية بالشمال، ولكن هناك بقايا للحركة الشعبية بالشمال التي ذهبت للجنوب بعد الانفصال يحاولون ممارسة نشاط سياسي تحت مظلة الاسم القديم. هل الحركة الشعبية سقطت كحزب سياسي بانفصال الجنوب؟ - الحركة الشعبية بعد انفصال الجنوب سقطت كحزب ومؤسساتها حلت بصورة نهائية، فالحركة رئيسها أصبح رئيس لدولة أجنبية، ولذلك عناصر الحزب في الشمال عليهم بدء مرحلة جديدة إذا أرادوا ممارسة النشاط السياسي في السودان.. فالحديث عن شرعية الحركة قطاع الشمال مضيعة للوقت، فالبروتكولات الخاصة بأبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان لا تعطي الحركة الشرعية السياسية وإنما البروتوكولات تنفذ في الإطار الوطني، فلجوء الحركة للحرب فيه استخفاف بالإرادة الشعبية. كيف تفسر لجوء الحركة للحرب؟ - الحركة ارتكبت خطأً باللجوء للحرب والاستعانة بالأجانب، ولكن إذا كانت تريد حلول سلمية كان عليها أن تبحث عن تأييد وتعاطف من الشعب السوداني.