مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قف وتأمل ... الفاتورة النهائية تختم من المشرحة !!
نشر في آخر لحظة يوم 07 - 12 - 2011

قادنتي الظروف لزيارة مريض بمستشفى الخرطوم وأثنا وجودي في عنبر الرجال لاحظت أن أحد المرضى لا يوجد معه مرافق وإحدى رجليه مبتورة، ويظهر أنه يعاني من ثقل في السمع، وبعد التحريات من الموجودين قالوا إنه مجهول هوية وليس لديه مرافق وإن الذي يرعاه هو عامل من المستشفى، وهنا قفزت إلى ذهني بعض التساؤلات: من مجهول الهوية؟.. وما هو دور المستشفى تجاهه؟.. وأين يذهب بعد إكمال فترة العلاج؟.. من الذي أتى به إلى المستشفى؟.. وهل هنالك جهة ترعاه بالإضافة إلى المستشفى؟.. وبدأت البحث..!!
التقيت بالمشرف المسؤول عن مجهولي الهوية بالمستشفى، وبعد السؤال عنه وعن حالات مشابة لهذا المسن:
المشرف محمد عبد الكريم قال «إن هذا الرجل يدعى عبد الرحمن محمد يبلغ من العمر فوق ال(70) عاماً و دخل المستشفى قبل عامين أثر تعرضه لحادث قطار أدت إلى بتر إحدى رجليه وهو أعمى ويفقد الذاكرة، وقد تأكدوا من ذلك بأنه في كل مرة يغير سكنه عنده السؤال عن محل إقامته.. وقد أكمل علاجه العضوي.. وهو الآن لا يتناول أي عقار غير أنه ينام ويأكل ويشرب وتوفر له الرعاية، وقد جاء عن طريق أمن المجتمع.. ومن المفترض بعد إكمال العلاج يُسلم لإدارة أمن المجتمع لتحويله لدار الرعاية الاجتماعية هي أن كل إجراءاته مكتملة كما أخبرنا وزارة الرعاية المجتماعية ووعدوا بزيارة ميدانية له ولكن لم يحدث منذ عامين».
وكذلك هناك حالة مشابهة له وهو حلمي بابكر إسماعيل (24) عاماً تعرض لحادث قطار وأجريت له عمليات وهو يمكث في المستشفى منذ (8) شهور.. وفي الناحية الأخرى من العنبر قادنتي السستر إلى مسن يكاد عمره يصل إلى (80) سنة لا يتحدث إلا قليلاً ولا يسمع إلا بعد محاولات صياح معه وكفيف يمكث في المستشفى من أكثر من عام ولا يعرف أين يسكن يدعى فرج سرور.
توجت إلى الباحثة الاجتماعية بمستشفى الخرطوم أماني منان التي قالت: إن إدارة المستشفى كونت وحدة خاصة بالمحاصيل منذ خمس سنوات وخصصت لها كوادر عاملة واثنتين من المشرفات وباحثة اجتماعية، وعرفت المجهول بأنه «الشخص الذي يدخل المستشفى وليس لديه مرافق.. أو مجهول دخل عن طريق شرطة أمن المجتمع أو فاعل خير» فبعد أن يتم دخوله عبر أورنيك (8) تجري له الفحوصات والعلاجات، ويمكث (24) ساعة في الحوادث و يتم تحويله لمسؤول المجاهيل بالعنابر عبر أورنيك (8)، حيث تتم له دراسة حالة من قبل الباحث الاجتماعي، وعند استعادة وعيه الكامل تتم مساعدته لتبليغ ذويه وإذا لم يسترد وعيه أو لم يعرف ذويه من المفترض أن تستسلمة إدارة أمن المجتمع وإيداعه في دار المسنين وأثناء تواجده في المستشفى يكون المشرف مسؤول عن إطعامه وشرابه ونظافته الشخصية، وأغلب الإصابات التي يدخل بها المجهول المستشفى حوادث عظام.. وتعتمد الإدارة في عملها على ميزانية المستشفى ودعم الخيرين في بداية العام.. وتظهر المشاكل في الإدارة بعد تماثل المجهول للشفاء الذي لا يظهر له أهل فتحاول تحويله لدور الإيواء، إلا أن حلقة الوصل بين المستشفى ودور الإيواء مفقودة نتيجة لأن الوزارة المسؤولة عن الدور وجهت الدور بعدم الإستلام وتجدد صعوبة في الوصول مع الوزارة لاتفاق لاستلام المجهول.. وفي كثير من الأحيان توجه خطاب للوزارة وتطلب دراسة حالة المجهول وتجهيز الدراسة، وتوعد الوزارة بالقيام بزيارة المجهول إلا أنها لا تقم بالزيارة أو استلام المجهول.. وكذلك إدارة أمن المجتمع التي تدخل المجهول أيضاً تتهرب منه، ويوجد مجهول منذ عامين دخل المستشفى عن طريق أمن المجتمع وتماثل للشفاء وكل ما قدمت له المستشفى الطعام والشراب والنظافة، وباء ت كل المحاولات مع أمن المجتمع والوزارة لاستلامه، وهذا السرير الذي يحتله المجهول هناك أشخاص يحتاجون له.. وإذا توفي المجهول يتم تحويله للمشرحة لكتابة تقرير بسبب الوفاة ليطلق ملفه.
بما أن المستشفى هي مؤسسة علاجية فقط ودورها يكمن في تقديم الخدمة العلاجية ومتابعة المريض حتى يتماثل للشفاء.. وبما أن هناك دور إيوائية تتبع لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي من المفترض أن تقدم خدمة إيواء المجهولين كما ترى المستشفى..
ü تبادر إلى ذهني سؤال عن لماذا لا تستلم الوزارة المجهول من المستشفى؟ وهل هناك شروط خاصة لدخول الدار؟ وماهي الخدمات التي تقوم داخل هذه الدور؟ ومدى إسهام الوزارة في لم شمل المجهول أو المسن الذي يدخل هذه الدور؟..
وللإجابة على هذه التساؤلات وغيرها توجهنا لحبيب ضيف الله حامد مدير دار الضوء حجوج للمسنين بالإنابة و يوجد بالدار باحث اجتماعي وباحث نفسي وطبيب عمومي واخصائي تغذية وأن الدار تعتمد اعتماداً كلياً على العمال وخاصة عمال النظافة لأن المتواجدين بالدار 70% منهم معاقين حركياً أو بصرياً أو سمعياً ويبلغ عدد المسنين 50 نزيلاً، وأوضح أن الدخول يكون للدار عبر اتجاه واحد وهو شرطة أمن المجتمع.. في السابق كان عبر قنوات كثيرة منها الوزارة وأي فرد فاعل خير لكن الوزارة اتخذت خطوة بأن يكون الدخول قانوني بواسطة شرطة أمن المجتمع وكذلك الخروج وهو لم الشمل أو حالة الوفاة بالاجراء القانوني عبر المشرحة حتى يكتمل الملف، فإذا جاء بعد ذلك من يسأل عن شخص ووجده توفي أسباب الوفاة تكون من المشرحة.
وفي حالة الدخول تصنع للنزيل برنامجاً وهو دراسة حالة أولية قبل الدراسة الاجتماعية والنفسية والصحية، والصحية هي أهم دراسة لأنه في حالة الدخول شرط أساسي أن يكون سليم العقل وفوق ال 65 سنة- بالرغم من هذه الشروط إلا أنها هناك حالات الآن بالدار مريضة نفسياً..
وكل النزلاء لهم تأمين صحي وعندما يذهب النزيل للمستشفى يذهب معه عامل مرافق.. و هناك برنامج لم الشمل بأن نأخذ من النزيل معلومات نحاول أن نربط بينها وبين المنطقة التي أتى منها، وأي معلومة لو كانت صغيرة يمكن أن تكون رأس خيط إلى ذويه.. ودائماً المعلومات القديمة تكون راسخة في ذهن النزيل لذا نعتمد عليها في الدراسة، وهدفنا الأول هو لم لشمل.. وبمجرد معرفة ذويه نقوم بدراسة حالة للأسرة، وهي دارسة ميدانية.. فإذا اتضح لك أنك يمكن أن تلم شمله بعدها تكون هناك رعاية لاحقة من الدار، فبعض النزلاء لهم أبناء والأسرة فيها مشاكل بسيطة.. ويمكن أن تساهم في حل هذه المشاكل ويلم شمل المسن، فإذا رجعنا للدين الحنيف نجد هناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم».
وهناك أشخاص يتحايلون على القانون بأن يضعوا المسن بجانب المستشفى أو قسم البوليس على أساس أنه إذا قدم من خلال هذه النوافذ يمكن أن تقبله الدار، لأنه بالعقل إذا تاه فرد من الأسرة أكيد سوف تبحث عنه وإذا لم تبحث عنه هذا معناه أنها غير محتاجة له وإذا كان في الأصل هو تايه في الأسرة من خلال الدارسة يمكن أن تصل لأسرته وتحل مشكلته.. وأوضح أن المسن إذا كان لديه مرض نفسي أو معدي لا يدخل الدار، وإذا تم استلامه واتضح أنه مصاب بمرض يتم تحويله للمصحة أو المستشفى مع مرافق.. أما المسن الذي يأتي عبر مستشفى لا يتم استلامه في الدار لأن هذه مسؤولية أمن المجتمع.
ü الاختصاصية النفسية انتصار الفاتح قالت: إن الدار توفر الأمن والاستقرار النفسي للمسنين وهذه مهمتنا، بالإضافة إلى الدراسات ولم الشمل.. والخروج من هذه الدار لا يكون إلا عن طريق لم الشمل أو الهروب، وهذا نادر جداً، والموت ويسلم للمشرحة.. والسعة المفترض للدار (50) مسناً، لكن قبل عدة أشهر زاد العدد إلى أكثر 80 مسناً.. ومن شروط الدار أن لا يكون لديه أهل وهذا غير معقول لكن بالدراسة والإرشاد النفسي يمكن أن تتعرف على ذويه.. وكذلك من شروط الدراسة أن يكون سوداني الجنسية وبالرغم من ذلك يوجد «مصري وحبشي»، بالإضافة إلى أن بعضهم يعانون من أمراض نفسية ومحتاجون لعلاج نفسي.. وقبل فترة تعرضت للتعدي من قبل مسن وتم تحويله لمصحة كوبر، ومع المتابعة والعلاج تحسن واستعطنا التعرف على ذويه.
وفي جولة صغيرة داخل الدار برفقة الاخصائية توصلنا إن أغلب المسنين من الذين قضوا حياتهم إما دون زواج أو بعيدين عن أبنائهم.
ü الحاج (....) خرج منذ (25) سنة من أهلة، وشاءت الأقدار أن يدخل الدار عبر أمن المجتمع وبعد دراسة الحالة والوصول إلى أبنائه رفضوا استلامه بحجة أنهم لا يعرفونه، قالوا «هو ما ربانا»، وبعد مشاورات معهم وعدوا بزيارته وحل مشكلته بأن يتم استئجار منزل له خارج سكن الأسرة ولكنه رفض.
الحاج (...) من إحدى مدن الغرب تخلى عنه أهله لتاريخه السيء وكل أشقائه رفضوا استلامه، بل تم تهديد الباحثة النفسية إذا تم تسليمه لأهله في المدينة «سوف تسيل دماء»!!
الحاج (..) ذهب إلى شرطة أمن المجتمع وطلب دخول الدار، وهدد إذا لم يدخل دار المسنين سوف يذهب للكنيسة لتأويه، وهنا تم إدخاله و جاء الدار وهو يحمل كفنه وقام بتسليمه لمدير الدار وأوصى بأن لا يتم تسليمه للمشرحة، يغسل و يدفن في داخل الدار.. يرفض الظهور من التلفاز أو البرامج التي تظهر صورته فيها حتى لا يتم التعرف عليه.
ü ومن هذه الأنواع خرجنا بأن المتزوجين يمثلون نسبة بسيطة، حيث يبلغ عددهم داخل الدار حالياً (4) أشخاص لأسباب متفرقة، اختفوا عن أبنائهم.. أما الذين لم يتزوجوا فبعضهم «عاش الدنيا بالطول والعرض» فلم تقدم له الدنيا في الآخر غير سرير في دار المسنين، وهذا ما وجدناه في الدار أن90% من المسنين في الدار ينتظرون أجلهم..
و في سؤال لأحد المسنين لماذا ياعم (...) لم تتزوج قال «قضيناها لهو ولعب» ولم نحمل «هم بكرة»، وهذه كانت النهاية.
الحاج (...) طلق زوجته وابنه صغير جداً وترك المنزل لا يعلم ذووه عنه شيئاً، وكانت النهاية دار المسنين وابنه تهرب من استلامه بحجة أنه لم يربه، ولذلك تركه ابنه ليلحق «باللوتري» الذي تخلى عنه مرتين بسبب والده وقال هذه المرة لن أضحي من أجله.
ü وفي دار المسنات بالسجانة التقيت بالأستاذة عائشة محمد حسن مديرة الدارة لمعرفة ما تقدمه الدار للمسنات، حيث قالت: إن الدار تقدم خدمات رعاية للمسنات متكاملة وهناك وحدات مخصصة للسكن ويوفر لهن الغذاء وكذلك وحدة صحية ووحدة للتحاليل الطبية وتأتي مرات في الأسبوع، فإذا حدث طارئ أثناء غيابها نتصل بالإسعاف المركزي وبها لتحويلها لمستشفى الخرطوم.. كما يوجد مكتب اجتماعي مسؤول عن دراسة حالة المسنات وإجراء الدراسة الاجتماعية للم الشمل..
وللدار شروط لاستلام المسنة بأن تكون قد تجاوزات ال 60 سنة إلا أن هناك حالات خاصة أقل من (60) سنة وأن تكون سودانية الجنسية وخالية من الأمراض المعدية والعقلية فمنذ دخولها الدار يتم تغيير ملابسها، وإذا صادفت الطبيبة يجري لها الكشف الطبي.. و إن كان هناك حالة اشتباه بوجود مرض، خاصة الامراض الجلدية، لا يتم استلامها.. أما إذا كانت تعاني من مرض نفسي ولا تشكل خطراً على باقي المسنات لا توجد مشكلة في استلامها.. وإذا كانت تشكل خطراً يتم تحوليها للمصحة بعد كتابة تقرير وتسلم لأمن المجتمع وشرطة أمن المجتمع هي القناة الوحيدة التي تستلم منها المسنة ولا يتم الاستلام من مواطني عادي لأن الدار تخدم الشريحة المسنة التي فقدت الرعاية الاجتماعية والهدف الأساسي هو رعايتها وايجاد ذويها من خلال الدراسة وتقص المعلومة وبالرغم من شرط أن تكون سودانية إلا هناك أجنبية لكن ثم أخطار الوزارة بها وقد جاءت عبر مفوضية اللاجئين وقالت إن الملفات للدراسة تظل مفتوحة حيث لا تغلف إلا في حالة الوفاة أو المغادرة والعدد الموجود غير ثابت ما بين الدخول والخروج لكن بداية هذا العام كان هناك انخفاض لأن عدد من المسنات ثم تسليمهن لذويهم عند التسليم يتم توقيع باستلامها وتبني العلاقة بين الدار والأسرة على الدراسة وتعتمد الأسرة لرعاية المسنة ولا تعرضها للخطر.. وكل المسنات اللائي خرجن من منازلهن بسبب مشاكل اجتماعية كما أن هناك مشاكل متعلقة بعامل السن.
وأكدت أن الدار لا تستلم مسنة من المستشفى ولا تستطيع الدار أن تفتح باب كهذا وتدخل المسنة المريضة غير خطاب من الشرطة ويتم تحوليها من المستشفى عبر الاورنيك الذي دخلت أورنيك (8) والاستلام من المستشفى فيه مسؤولية تقع على عاتق الدار لأنه إذا حدثت وفاة لهذه الحالة نكون محتاجين مرجعية وتكون سليمة والإجراءات فيها سليمة وجهة محكومية، فإذا توفت المسنة داخل الدار، الطبيب المسؤول من الدار يجري الكشف الطبي ويحرر شهادة وفاة ويتم تحوليها للمشرحة.. وهذا الإجراء مهمة جداً لأنه إذا حدث بعد فترة وظهر ذووها يتم عرض ملفها عليهم بصورة سليمة وشكل رسمي، وإذا كان لها وصية تبلغ بها شرطة أمن المجتمع.
بعض الحالات تدخل الدار وترفض الحديث لأن الجهة التي أتت بها هي الشرطة وتضع في مخيلتها أن هذا سجن وأنها مذنبة بعد الدراسة والمحاولة تتحدث وتجمع منها المعلومة ويمكن توصيلها إلى ذويها وإنما الدراسة تكون مستمرة طول فترة جلوسها في الدار بعد متابعة رحلة المجهول من المستشفى إلى دار المسنين أو انتظاره في المستشفى إلى أن تستلمه شرطة أمن المجتمع، تبادر إلى ذهني عدة تساؤلات حول لماذا تكون نهاية الإنسان بهذه القصص المساوية؟.. وماذا كان يفعل هؤلاء في سن الشباب؟ ألم يأخذوا بالمقولة التي تقول «اعمل لدنياك كانك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً؟.. وهل تغير المجتمع السوداني الذي كان يأوي الجد والجدة والعم والخال المسن؟.. وهل اختفت الأسرة الممتدة؟؟ وهل للتربية أثر في ترك الأباء للمنزل؟ ولماذا يهرب الأب من الأسرة في شبابه؟.. ولماذا يتحايل الأبناء بذات الأسلوب عندما تتصل به إدارة دور الرعاية لتخبره أن إباك بالدار؟ فيرفض أو يتهرب من استلامه؟ وهل وصل الأمر بناء إلى تجاهل ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية عن إحسان الوالدين؟.
ü هذه التساؤلات وغيرها طرحتها على خبراء الاجتماع والنفس لمعرفة الأسباب والحلول..
الأستاذة سلافة بسطاوي اختصاصية اجتماعية تعزي أسباب الظاهرة إلى أن الفرد في مرحلة شبابه يتعرض لمشاكل أسرية أو مجتمعية أو اقتصادية، وكذلك الإحساس بالفشل بكل أنواعه في التعليم وتقرير الذات وتقدير الآخرين له، هذه الأسباب تجعله يخرج من ولاية إلى ولاية أخرى لا يعرفه فيها أحد بسبب الإحباطات والصرعات التي يدخلها وإحساسه بأنه لا يستطيع أن يلبي احتياجاته والأخرين مقارنة بالدخل أو ما يتقاضاه.. كما أن بعض الشباب يكون متطلع تطلعات أكبر من طاقاته وإمكانياته ويتقمص في المجتمع الذي دخل فيه جديداً وهو يختلف عن مجتمعة ويضع في هذا المجتمع «نص الرحمة» وهذا هو الضياع والفشل.
أما بالنسبة لكبار السن فهنالك أسباب كثيرة تجعلهم يتحولون إلى مجهولي هوية منها أن يكون مريض نفسياً أو فقد الرعاية الأسرية والصحية من قبل الأسرة، وذلك أن التعامل يحتاج لخصوصية معه وفقد هذه الخصوصية ويخرج يكون تائه في المجتمع لا يستطيع أن يعطي معلومات عن نفسه كما يمكن أن يصاب بالزهايمر وفقد الراعي والأسرة لأنها لم تعطيه الخصوصية ويحس أنه عبء وعالة على الأسرة، حتى لو لم تقولها الأسرة بالواضح فتكون بالتعامل.. وبمجرد أن يحس بها يفتح الباب ويخرج منه من غير رجعة وليس له أوراق ثبوتية ويدخل دار المسنين، ومن خلال المعلومات يرجع إلى أسرته التي جرج منها وهو رافضها .. فعدم الأوراق الثبوية والمعلومات الصحية تعثر الرجوع ولم لشمل و بعض الأسر تكون مهتمة به اهتماماً شديداً لكن هو يحس أنه عالة على هذا المجتمع والأسرة لذا يخرج.
أوضحت الأستاذة سلافة أن المجتمع حدثت فيه متغيرات كثيرة جداً في الحراك الاجتماعي أعطى شكل ثقافات محددة وطريقة سكن محددة والمجتمع الذي كان بسيطاً أصبح معقداً. والتغيير يمكن أن يعطي آثار إجابية وأخرى سلبية وواحدة من هذه التغيرات شكل البنايات التي كانت أفقياً وأصبح رأسياً .. والأسرة تصبح كذلك رأسية وبعيدة بفصل الأفراد عن بعضهم البعض والعلاقة بينها شكلية فقط، فالأشخاص الكبار يحسون أنهم يهمون كل أفراد الأسرة وأن عطاءهم متواصل «أحلى من الجنى جن الجنى» وهذه ليست سيطرة و لكن من الواضح التغير الاجتماعي أثر تأثيراً سلبياً على العلاقات الاجتماعية والغزو الثقافي شكل الحياة الاجتماعية وأصبح المنزل لا يستوعب الإنسان الكبير لأنه يحس أنه لا يستطيع أن يتحرك بحرية وهذا يعيقه والحياة العصرية هذه يمكن أن تؤثر فيه نفسياً وبحاول أن يعبر عن ذلك بالخروج.. فإذا أخذنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا» يحثنا على احترام الكبير وأن نتعامل معه بدون غضب ونكون حريصين على متابعة علاجه.. وخدماته تكون في أولويات الأسرة.
ü دكتورة إخلاص خبيرة علم النفس التربوي بجامعة الخرطوم قالت: إن المجتمع تآلف على نوع من التربية فكل أفراد الأسرة مسؤول عن الآخر وامتدت هذه العلاقة لتشمل صلة القرابة من الدرجة الثانية والثالثة بل امتدت لتشمل الجيران.. ولكن مع تحديات العصر المتمثلة في العولمة والانفجار المعرفي والتنافسية، تخلت الأسرة عن حميميتها فأصبح الأب لا يرى ابنه ولا يعلم، نأهيك عن والدته أو جدته التي إذا افترضنا أنها في سن الشيخوخة وأن لهذه السن مطالب خاصة واحيتاجات نفسية واجتماعية تتطلب منه أن يرعاهما كما ربياه صغيراً.. وهنا تتجلى بوضوح آثار القدوة وعمق المفاهيم وترسيخها على أسس نفسية سليمة فكل ما كانت التنشئة الأسرية قوية ظهرت في عهد الشيخوخة وظهرت قوة الارتباط الأسري.. وكل ما كانت التربية قائمة على العنف والتسلط أو المصالح الدنيوية كل ما ظهرت تجاه والديه في الكبر.. فالابن الصالح ثروة يجب أن يلتفت إلى صيانتها التربويون وعلماء النفس ومصمموا المناهج في تدريب المعلمين على كيف تحول الصلة والتواصل بين الابن ووالديه رغم اختلاف الأجيال وتباعد الأفكار والغزو الفكري.. فالشيخوخة مرحلة جميلة يتمناها البعض «يخرف وسط أحفاده» مرحلة جميلة إذا أعددنا العدة.. كيف نتعامل مع السن ونرعى ونقوم بتلبية احتياجاته، ففي ذلك متعة نفسية وكل ما أهملنا المسن داخل أسرتنا وتركناه ألعوبة في الشوارع والمصحات العقلية ودار العجزة، كلما فقد الإنسان الأمن النفسي داخله.
وفي حالة إصابة الفرد بأي من الأمراض النفسية أو العقلية بخروجه عن محيط الأسرة يصبح دور المجتمع المسلم توفير الأمن النفسي من خلال البحث عن هوية هذا الشخص، فإذا وجد نفسه بين أسرته مرة ثانية وساعدناه للمرة الثانية على حل مشكلته النفسية أو العقلية أو الاجتماعية نكون أعدنا هذا الفرد إلى الجماعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.