بالأمس بعث إلينا صديق عزيز بصورة رسالة من مقاطعة الخرطوم بالحركة الشعبية، موقعة باسم (الرفيق) خليل أبو حّوة، هي - أي الرسالة - عبارة عن مبادرة أسماها كاتب الرسالة ب (مبادرة نجم الصباح)، معنونة إلى كافة الرفاق بتيارات الحركة الشعبية لتحرير السودان وعليها (ديباجة الحرص) المعروفة لدى جماعات اليسار في كل الدنيا وهي (سري للغاية).. وموضوع الرسالة كما جاء في عنوانها هو (مبادرة لفتح مسارات نحو توحيد تيارات الحركة الشعبية لتحرير السودان المنقسمة). ورأينا أن نجعل من الرسالة خطاً رئيسياً من خطوط (آخر لحظة الجمعة)، دافعنا إلى ذلك الإشارة إلى انتباه بعض قادة الحركة الشعبية إلى خطورة الانقسامات، ثم اعترافهم بها وبأضرارها المؤكدة، وزعم كاتب الورقة - إن جاز التعبير - بسعي المؤتمر الوطني لإضعاف وتفكيك الحركة الشعبية للاستفراد بالساحة السياسية، وهذا أمر لا نرد عليه نيابة عن المؤتمر الوطني، لكننا نقف عند اللبن المسكوب تحت أقدام قادة الحركة الذين لم يستطيعوا أن يؤمنوا أوعيتهم السياسية، فتبخّرت العضوية ورشحت وبعضها اندلق على أرض المسرح. مبادرة الرفاق ونجم الصباح، ليست هي قضيتنا الأساسية اليوم، وسوف يطّلع القاريء الكريم على تفاصيل الرسالة في صفحة أخرى، لكننا رأينا أن نعتبرها مدخلاً لقضية أكبر، هي انحسار اليسار السياسي على حساب تقدم التيارات الإسلامية في كثير من بلدان المنطقة، بعد أن لمع نجم اليسار في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ويتآكل بعد ذلك بعد فشل الدولة الناصرية بالشقيقة مصر في الصمود أمام العدو الإسرائيلي إبان حرب 1967م أو ما سمته أجهزة الإعلام المصرية وقتها ب (النكسة).. ذلك الفشل أدى إلى تراجع اليسار وانهزام برنامجه الدعائي، وأعطى الفرصة للرئيس الراحل أنور السادات ليقوم بتطبيق سياسة الانفتاح، وهي كلمة شاملة تعني الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وقد نمت شجرة التيارات الإسلامية في مصر بقوة بينما أخذت قوى اليسار في التراجع والضمور السياسي إلى أن كشفتها نتائج الانتخابات المصرية يوم أمس، وأعطت صورة واقعية للمجتمع المصري اليوم الذي لم تحقق فيه الكتلة المصرية، المكونة من (14) حزباً على رأسها «التجمع» و«المصريون الأحرار» و«المصري الديمقراطي الاجتماعي» نتائج تعادل صوتها العالي، إذ أحزرت المركز الثالث في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية بعد الأخوان المسلمين والسلفيين بنسبة 20%. حزب التجمع بكل «هيله وهيلمانه» وتاريخه (المجيد) وعراقته وتمثيله اليسار المصري لم يحصل إلا على ثلاثة مقاعد فقط. وللحقيقة والتاريخ، فإن اليسار المصري هو أبو اليسار السوداني وما يحدث للأب له آثاره وانعكاساته على الابن، رغم أنه لم يعد يحمل اسمه، لكن الذي حدث للاثنين هو التراجع والابتعاد عن مركز التأثير إلى الهوامش والأطراف. اليسار السوداني ذكي، حاول أن يجد له غطاءً سياسياً آخر، ومركبة يقودها ب (ركابها) إلى أهدافه من خلال اختراق بعض الأحزاب الجماهيرية والوصول إلى المراكز القيادية فيها، وقد نجح في الاختراق لكنه فشل في التأثير.. وحاول أن يجعل من الحركة الشعبية لتحرير السودان واجهة تخدم ذات الأغراض من خلال قيادات داخلها، لكن القيادات كانت في وادي وجماهيرها كانت في وادي آخر، كل يغني على ليلاه ويحلم بغد مختلف. اليسار السوداني ومع ذلك التخبط ودون تحديد برنامج ثابت أصبح تياراً سياسياً عاصفاً لا ملامح له ولا وجهة، وأصبحت أحزاب بلا هوية، ولم يعد مؤثراً مع تطبيق سياسات السوق وتحريره، لم يعد مؤثراً داخل الأجسام النقابية التي أخذت تيارات الإسلاميين وتيارات الاعتدال في تغذيتها. اليسار الآن في الأزمة، نأمل إلا يطول أمدها حتى يصبح لليسار صوت وعين وأذن وعقل وجسم يستطيع التأثير على الشارع أو على الصفوة، على أقل تقدير.. ولكن يبدو أن زمانه قد فات و(غنايو) مات. .. و.. جمعة مباركة