العنف وسط الطلاب من الظواهر المنتشرة في كثير من البلاد النامية وحتى المتقدمة، السودان ليس استثناء فهذا النوع من العنف ظهر في الستينيات بعد ظهور بعض التنظيمات الطلابية بجامعة الخرطوم والتي كانت تعمل في السابق من أجل النضال ضد المستعمر، ومن ثم تعرضت للتكيف السياسي. الشاهد أن نجاح الطلاب في ثورة أكتوبر (1964) الشعبية ودور الطلاب فيها أشعل في روحهم الحماس الوطني وغذّى في عقولهم ثقافة النضال والجهر بالمطالب بحكم ملكيتهم للمعرفة، وتحول كل هذا الحراك إلى وعي جماعي مقره جامعة الخرطوم، حيث العمل السياسي والنضالي والمستقبل المهني فيما بعد، ومنذ ذلك الحين ظلت الظاهرة موجودة على فترات زمنية متواترة، تظهر حسب التغيرات السياسية أو الظرفية المتعلقة بالجامعة، وانتقلت بعدها من جامعة الخرطوم إلى الجامعات الأخرى. بعض المراقبين يرون أن لهذه الظاهرة أسبابها الداخلية المختصة بالطلاب من شؤون أكاديمية واجتماعية وأسباب أخرى خارجية متعلقة بالتأثير الخارجي السياسي والاقتصادي، فالأسباب الخارجية تداعت في أشكال حدة الاستقطاب السياسي للأحزاب ونفوذها السياسي على مؤيديها من الطلاب وعلى مجمل الحركة الطلابية، فالأحزاب الحاكمة أو المعارضة تحاول تجيير الطلاب لخدمة برامجها، وهذا من حقها لكن الخطأ يقع في عدم السيطرة على الممارسة السياسية بحيث تكون راشدة، هذه العلاقة تزايد تأثيرها في فترة الأحزاب العقائدية وتحالفاتها في مسيرة الديمقراطية بالبلاد، حيث ظهرت بقوة منذ الأحداث الأولى في 1968 «رقصة العجكو»، حيث برزت الخلافات في الأفكار والرؤى والحريات في التعبير الثقافي. أيضاً يرى المراقبون أن من العوامل التي أدت إلى زيادة العنف بين الطلاب، انعكاس حالات العنف وتجارب حركات الطلاب في العالم والتي أبرزت الدور الذي يمكن أن يلعبه الطلاب وحركتهم كمراكز للإنذار المبكر عن الاختلالات والانحرافات في الحكم وأخطاء الساسة وتأثير ذلك على الشارع، أيضاً مردود العمل السياسي على الواقع الاقتصادي والاجتماعي ينعكس عنفاً في الجامعات ويتولى الطلاب القضية ويحولونها إلى قضية رأي عام يتصدون لحلها عن طريق العنف المطلبي بتسيير المظاهرات الاحتجاجية، وقد تكون القضية أكاديمية أيضاً فيتم الزج بها لكسب قضايا سياسية باستخدام الناشطين سياسياً وسط الطلاب لإحداث التغيير. دكتور بجامعة الخرطوم رفض ذكر اسمه، قال ل(آخر لحظة) إن هناك تنظيمات سياسية عقائدية وحزبية منتشرة داخل الجامعات ووسط الطلاب هي المحرك الأول لأية أحداث، وهي رغم تنظيمها إلا أنها لم تخلق أو تنتزع لنفسها قدراً من الاستقلال الفكري أو السياسي أو التنظيمي من تنظيمها الأم.. بمعنى ظلت تدور في فلكها وفي الغالب هي صدى عالٍ لهذه الأحزاب وكومبارس يؤدي دوره وفقاً لما يراه الحزب الأم دون النظر إلى خصوصية مجتمع الجامعة ورسالتها المعرفية في المقام الأول، بالتالي تنشأ الاصطدامات والصراعات. ويرى أن المعالجات لقضايا الواقع السوداني والواقع الطلابي وترديد ما تطرحه الأحزاب الأم دون إعادة النظر فيه أو نقده أو حتى تعميقه والتجذر الفكري فيه يعيق الطلاب ويحد من حريتهم ويحصرهم في دائرة الهيمنة الحزبية والتحرك بأوامر الكبار لخوض معركتهم في حرم الجامعات، ولهذا اكتسبت التنظيمات الطلابية صفة التلميذ لأستاذه الحزب ولو أدى ذلك لارتكاب العنف والعنف المضاد كوسيلة لتوصيل الأفكار، وهذا العنف الذي يصبح وليد اللحظة كالذي يحدث وسط المجموعات المتهورة في المجتمعات الطلابية، حيث العنف يتولد من ذوبان العقل للفرد في غوغائية الجماعة فيفقد القدرة على التفكير المنطقي وينساق بروح الإيحاء من الجماعة، بالتالي تنتشر العدوى بين الجميع عن طريق المحاكاة. هذا عن الأسباب الخارجية، والتأثيرات الداخلية مجملها في المشاكل الأكاديمية وتحسين البيئة الجامعية، فهناك أيضاً العنف الاجتماعي الذي ظهر مع تطور الحياة، وظهور القوى الاقتصادية والتمايز في الطبقات في الجامعات نتيجة لعدة عوامل بتأثير الوضع الاقتصادي ودرجات الفقر والغنى المتفاوتة وتأثير ذلك على العلاقات الإنسانية بين الطلاب خاصة وهم في مرحلة التكوين العاطفي والنفسي وحالتهم السيكولوجية وشعورهم تجاه الآخر المتحيز، ورغبتهم في التساوي والدخول في مرحلة إثبات الذات والشخصية، واكتمال ملامح الرجولة والتطلع إلى المستقبل بحماس الشباب، بالتالي تحكم سيكولوجية التعليم والتكيف الاجتماعي والعدوى الإيمانية على الجميع، مما يكسبها سلوكاً واحداً للتعبير قد يعبر عنه بالعنف بأي شكل من الأشكال، وظهر ذلك في حوادث القتل لبعض الطلاب في بعض الجامعات في اختلافات ليست سياسية. أيضاً من الأسباب الداخلية رسوخ فكرة الطلاب الثوريين في أذهان الكثير من الطلاب وإعادة إنتاج الماضي مثل ما حدث في ثورة أكتوبر، ودور الطلاب في التغيير السياسي يشحذ همم البعض ويغذيها في أي ظروف مشابهة، فيظل هذا الشعور موجوداً في العقول والقلوب ليعود من جديد تحت أي ظرف وحدث سياسي مماثل، كذلك الانتخابات الطلابية بالجامعات وصراعها السياسي وانعكاساتها تظل محطة تحفز للعنف وافتعال الاحتكاكات لإفشال الانتخابات أو محاولات الاستقطاب الحادة لبعض الأحزاب. وهكذا تظل الظاهرة محل تجاذبات لأسباب عديدة داخلية وخارجية لانعكاسات سياسية عامة سواء كانت على المستوى السياسي أو الاقتصادي، حتى تنعم البلاد بالاستقرار يظل الحال محل صراع دائم.