واليوم.. حديثنا عن الذوق.. والذوق أعلى مرتبة.. وأجلَّ قدراً من القانون.. هو دثار بهيج وبديع عندما يتلفح به الإنسان.. هو أعلى مرتبة من مراتب الإنسانية.. وصدقوني لو تحلَّى كل سكان العالم بفضيلة الذوق.. لما احتاجت المجتمعات والكيانات، بل حتى الدول والحكومات إلى «بوليس» وقضاء ومحاكم وحراسات.. ليته يكون عنواناً لكل مواطن كل، مواطنة، كل فرد في الدنيا.. وإذا كان ذلك عسيراً ومستحيلاً.. ليته انتظم في بلادنا.. تلك الجميلة فاتنانا.. عليها يجب تفانينا.. اليوم أحبتي أحكي لكم.. عن «عدم الذوق».. الذي أحزنني.. في مواقف كثيرة.. بما فيها شهادة من رقم صعب وكبير توثق إني- «شخصياً»- «ما عندي ذوق» ولكن دعوني أبدأ.. بعدم ذوق قام به بعض الأحبة في إدارة المرور بولاية الخرطوم.. وحتى لا يتحسس الأحبة في شرطة المرور مسدساتهم- والتي هي بالنسبة لأي «سائق» عربة «ايصالاتهم» وحتى لا يغضبوا مني خاصة أن لهم مقولة بديعة ورائعة تقول (القيادة فن وذوق وأخلاق) - دعوني أقول.. إني أرفع أمامهم اليوم «شكوتي وشكري» وعلى عكس الفرعون قيثارة الوطن البديع.. سأبدأ «بشكري» وهو أني أثمن جهدهم الخرافي.. وتفانيهم في ضبط المرور في هذه العاصمة المجنون «سياراتها» ودفاراتها وحافلاتها.. أقدر انتشار أفرادهم في الطرقات و «الصواني» والاستوبات تحت أشعة شمس تشوي حتى العظام.. وتحت زخات وابل مطر يعري حتى هامات الجبال.. وصباحات برد تموت فيه الحيتان.. وهم يفتحون الطرقات والمسارات حتى تنساب الحركة في رقة نسيم السحر.. نعم أنا معهم قلباً وقالباً في تلك «الأكمنة» للإطمئنان على أن هذه المركبات قد تم فحصها، ولها شهادة ترخيص.. والإطمئنان على أن أي سائق يحمل رخصة قيادة، دفاعاً عن حياة أرواح بريئة كثيراً ما صعدت إلى الأمجاد السماوية لجنون عربة أو سائق.. يفرحني حرصهم على أن «الحزام» «مربوط» دفاعاً حتى عن حياة السائق نفسه.. نعم أنا معهم في كل ذلك ولكن.. والسؤال للأحبة رجال المرور.. ألا ترون أنه من «عدم الذوق» أن يكون هناك «كمين» وتفتيش.. في أيام الاجازات ذات اليوم الواحد.. مثلاً.. هل يجوز أن يكون هناك «تفتيش» رخصة وحزام.. وترخيص عربة لمواطن في يوم إجازة «المولد»، والمواطن كان يمني نفسه بيوم سعيد.. يخرج مستبشراً فرحاً.. وهو يقود السيارة.. وكله أمل بأن يمضي يوماً سعيداً بصحبة أسرته أو بمفرده.. ليتعرض إلى كمين في يوم العيد.. لماذا لا يكون مثل هذا اليوم استثناء.. تتوقف فيه «الأكمنة» مع الموافقة على الانتشار وتقديم النصح بلا إيصال.. ألا «يعكنن» هذا الايصال المزاج في يوم العيد.. لن أكون «طماعاً» وقد راودتني نفسي لذلك.. بأن أطلب..إيقاف «ايصالات» أيام «الجمع» وليس معها السبت.. هل تفعلون هذا.. لنغني لكم.. «وأنت كلك ذوق يا صباح النور».. وحتى لا تغضبوا.. الآن أقص عليكم قصة «عدم ذوقي» كان ذلك يوم 19/ يوليو 1983م.. كان هو تاريخ حفل زواجي.. وكان من أحيا حفل الغناء.. هو أمير الطرب وملك التطريب الموسيقار وردي.. كان صدري وقتها يحتشد بالتحدي.. والفوران والصدام.. أواخر عمر «مايو» التي كانت تترنح في ذاك الزمان.. كنت في كامل عنفواني وفي قمة أناقة هندامي.. البدلة ورباط العنق.. وعلى الجبين هلال.. وفي اليد «حريرة».. قبل أن تبدأ الحفلة، وقبل أن يبدأ وردي الغناء.. اندفعت كالسيل إلى «الصالون»الذي كان يجلس فيه وردي وسط فرقته الموسيقية الكاملة.. خاطبته في كلمات قاطعة وصارمة.. وكأني قائد يملي أوامره على طابور من العسكر، قلت له«شوف يا أستاذ.. أنا ما عايز أي أغنية عاطفية.. عايز أناشيد وطنية وثورية فقط».. هنا انفجر وردي كما البركان وخاطبني قائلاً.. «أولاً أنا لا يستطيع أحد مهما كان أن يملي عليّ ما أغني وما لا أغني.. من الناس أو من «العريس» شخصياً- واللي هو أنت- ثم ثاني هي حفلة عرس أم ليلة سياسية.. ثم يا أخي ما ذنب كل هؤلاء الذين جاءوا يشاركونك فرحك.. ياخي خلي عندك ذوق».