لست متعصباً غبياً ولا عنصرياً بليداً.. ولا شوفينياً كريهاً ولكنني أجزم بل أقسم وأبصم بالعشرة أن الشعب السوداني هو الشعب الوحيد دون شعوب الأرض قاطبة.. الذي يتمتع بالقيم الرفيعة والأخلاق العالية.. والتهذيب المبالغ فيه وفوق كل هذه الصفات.. هو الشعب الوحيد..الذي يتسم بالذوق.. لا تفزعكم أحبتي بعض «جلافات» فئة صغيرة ومحدودة فيه.. ولا تخلخل ثقتكم.. أمثال بعض الأوشاب وهم قلة صغيرة.. بل حفنة لا تمثل كسراً عشرياً.. إن لم أقل صفراً بالقياس إلى أغلبية السودانيين.. وماركتهم المسجلة ..وهي ذاك الذوق الرفيع.. الذي يتدلى من أعناق شعبي وساماً وقلادة.. يمكن أن أحكي لكم.. سيولاً وأمطاراً.. من أحداث معطونة في الذوق في كثير من صورها تبدو مقبولة ومبررة.. وبالمناسبة أحبتي حتى اقتراف خطيئة عدم الذوق.. و التصرف بعدم ذوق.. يكون أحياناً ممتعاً وخفيفاً ومهضوماً.. اليوم أحدّثكم عن مواقف من عدم الذوق..وحتى لا يظن أحد أنّي معصوم من الإتيان بعدم الذوق.. سأحكي لكم عن حادث بل شهادة من الإمبراطور وردي أحملها في خجل.. تشهد بأني عديم ذوق.. وإلى الحكاية.. كان ذلك.. في يوم حفل زواجي.. والذي كان في 19 يوليو 83.. لاحظوا التاريخ جيداً إنه ليس تاريخ زواج.. بل هو موقف لا تسألوني كيف هو موقف.. «فالفهم فهم والمافهم عنو ما يفهم».. المهم.. كان الفنان الذي أحيا حفل زواجي هو الإمبراطور وردي.. في تلك الأيام كانت «مايو» في آخر أيامها.. بل كانت تترنح.. والمد الشعبي في عنفه وعنفوانه.. وتجاويف صدري تجلجل فيها الأناشيد الحماسية.. المهم عندما جاء وردي.. وقبل بداية «الوصلة» الأولى.. كان مع فرقته في إحدى الحجرات.. حينها اندفعت كالسيل وأنا في كامل زينتي.. بدلة.. وربطة عنق.. وقميص تتلألأ فيه «الزراير».. وفي الكف حنة.. وعلى الرسغ حريرة.. اندفعت حيث يجلس «وردي» وسط فرقته الموسيقية.. قلت له.. وكأني آمره.. بل كأني قائد فرقة عسكرية يصدر أوامره لجنوده قلت له في صرامة «شوف يا أستاذ أنا ما عايز غنية عاطفية واحدة.. عايز كل الحفلة تكون بالأناشيد الوطنية.. هنا.. قال لي وردي في صرامة وقسوة حديدية.. شوف أنا ما بقبل أوامر.. أو تحديد ماذا أغني من أي مخلوق في الأرض.. حتى لو كان من العريس شخصياً واللي هو أنت.. ثم ما ذنب الناس والعروس.. وهي حفلة عرس ولا ليلة سياسية.. ياخي خلي عندك ذوق».. ومازالت احتفظ في مؤخرة عقلي بشهادة وردي.. وهي أني عديم الذوق.. وعدم ذوق آخر وأيضاً في حفل عرس.. وتبدأ الحفلة.. والعريس بجوار عروسته وسط حشد من الأصدقاء والجيران والمدعوين والأهل وفنان شاب.. يحيي الحفل.. بدأت الموسيقي تعزف.. وبدأ الفنان في غناء رائعة زيدان «في الليلة ديك».. ويتواصل الغناء والعريس مندهشاً مذهولاً.. عندما وصل الفنان إلى «شفت الدموع خلف الرموش» تملل العريس وكأنه يجلس على فوهة بركان.. ثم انفجر تماماً والفنان يصل إلى «مقرونة بي حسرة وضياع جابو القدر في سكتك».. هنا نهض العريس بحركة صارمة من يده أوقف الفرقة الموسيقية من العزف.. ثم التفت إلى الفنان قائلاً في غضب.. انزل من المسرح ده.. وإتفضل أطلع بره.. أنت زول ما عندك ذوق..».. وعدم ذوق ثالث.. وأيضاً حفل زواج كان يوماً لكتب كتاب.. أي حفل «عقد قران» والناس يلفهم البشر والترحاب.. وأكواب العصير تدور.. وأطباق الحلوى تنسج طولاً وعرضاً.. خيمة من الفرح الحلو.. والبلح.. تلوكه الأفواه في تلذذ وبركة.. وكان هناك شيخ ملتحي.. يبدو صارماً.. لوقار أكثر من اللزوم.. وبعد أن أنهى المأذون إجراءات «العقد».. ذهب والد «العروسة» إلى مولانا ذاك وقد توسم فيه التقوى والصلاح وهو بالفعل كان كذلك.. خاطب والد العروسة مولانا قائلاً «يا شيخنا عليك الله أقرأ لنا آيات من القرآن.. ليبارك الله الزوجين.. هنا تنحنح مولانا وبسمل ثم قرأ «سورة الطلاق».. أما لماذا تذكرت كل عدم الذوق.. ذاك.. فها هو رمضان وأنواره تهل على الأمة.. إذن دعوني إخوتي أخاطب في ذوق رفيع مدير شرطة مرور ولاية الخرطوم أن يوقف «قطع إيصالات» مخالفات العربات «بس» الليلة وبكرة.. فالكل الآن يتحرك لشراء مستلزمات رمضان.. يكون «عدم ذوق» أن يتعرض سائق عربة وحتى مركبة عامة لقطع إيصال وهو «يجري» في هلع لشراء «ويكة» و«شرموط» و«آبري» وليمون وتوم وكسبرة ودقيق عصيدة.. وأيضاً يكون «عدم ذوق».. أن يستفتح مواطن بغرامة وهو يحتفل بأول يوم في الشهر العظيم والفضيل.