٭ بالأمس الأول ومن «غير ميعاد» رحل وردي العملاق وتر الغناء المشدود، وسحر الكمنجة الأبهى.. أسقط في أيدينا من هول الفجيعة وضاع الكلام وماتت حروف اللقيا «قبال ننطقها» والليلة بفراقك يا أعز الناس ما وشوش نسيم في روضو ما غرد مسا! الليلة مسافر عبير بالطيب يغازل نرجسه الليل يا حبي الكبير في حرقة لافيني الأسى. نعم رحل وردي وخلف تاريخاً بطول هرم وعرضه خلف إرثاً غنائياً كفيلاً بأن يجعله بيننا إمبراطوراً متوجاً على عرش الأغنية السودانية.. رحل وردي وحتى آخر لحظات حياته ظل صوتاً طروباً ومنبعاً للعطاء، ويكفي أنه أحيا آخر حفلات رأس السنة قبل شهر من الآن بكامل الطرب وكامل الألق وكامل الجمال.. لكن دي الارادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل، دي الإرادة والمقدر ما بنجيب له بديل.. ولعل هذا الالتفاف حول وردي ابان فترة مرضه الأخير والحزن الذي لف كل السودانيين بمختلف ألسنتهم وأمزجتهم أكد أن وردي لم يكن فناناً يمس بألحانه الشجية أوتار قلوب العشاق والمحبين ولم يكن وردي فناناً يغني للمنابر و للقضية فقط.. وردي كان وطناً اسمه السودان جسد في شخصه شخصية السوداني الأصيل الحازم وقت الحزم الحنين وقت «الحنية» المعتد بنفسه وأصله، الواثق من نفسه، المتاح لكل الناس و«حق كل الناس».. رحل وردي مساء السبت الحزين، وكأن السبت أراد أن «ينوسر» الجرح النازف فينا، وهاهي المنون تعاود فعلتها يوم السبت لتخطف الإمبراطور كما خطفت العندليب في سبت مضى.. رحل وردي وودعته البلد.. عمة وسديري وسيف وسكين.. بكاه أهل السودان بدمع واحد وحرقة واحدة، لأنه ابن كل السودان وحق كل السودان. رحل وردي لنجد أنفسنا أهلاً لتقبل العزاء فيه.. ألا رحم الله محمد وردي النيل الثالث الذي رفد الوطن بالعطاء والسحر والجمال والعبقرية.. كما يرفده النيلان الأبيض والأزرق عطاءً على طول السنين.. ولا اعتراض على حكم المولى، لكن لابد لي أن أقول «ده وردي مات يا خملة زيدي». ٭ كلمة عزيزة ولأن الهم الثقافي واحد من أجندة المرحلة في الجمهورية الثانية، ولأننا مشغولون ومهمومون بالهوية السودانية، ألقينا على عاتق وزارة الثقافة عبء أن تقوم بهذا الدور التاريخي، لكن قدر شنو أنجزت الوزارة ووزيرها؟ وقدر شنو أخفقت.. أناقشه تفصيلاً في برنامج رفع الستار على فضائية الخرطوم الثامنة مساء على الهواء مباشرة باستضافة وزير الثقافة الأستاذ السمؤال خلف الله فتابعونا. ٭ كلمة أعز تأكدت أمس ليلة وفاة العملاق وردي أننا لا نمتلك مذيع الطوارئ الذي يتصدى لأي حدث طارئ على الهواء مباشرة، بدلالة مهزلة سهام عمر على النيل الأزرق وناجي حسن «البهظر» مع زملائه في الاستوديو ومي في قناة الخرطوم التي لو لا وجود مبارك خاطر لفقعت مرارتنا.. وغداً أكتب.