لا زال الغموض يلف تفاصيل ما حدث في الأيام الممتدة من 19 يوليو 1971م وحتى ما بعده بكثير.. أي أيام الانقلاب الأكثر دموية في تاريخ السودان، والذي قاده المرحوم الرائد هاشم العطا ضد نظام مايو 1969م الذي كان يتربع على كرسي الرئاسة فيه المرحوم اللواء وقتها جعفر محمد نميري، والذي استمر لثلاثة أيام كانت هي الأطول والأشد حلكة في تاريخ بلادنا السياسي، واستمرت تلك الحلكة إلى ما بعد عودة نميري في 22 يوليو من ذات العام ثم جاء دور المحاكمات التي لم يعرف الشعب إلا عناوينها العريضة المتشحة بالسواد والحزن والألم، والتي جاءت من كلمة واحدة هي (الخيانة) في قاموس نظام الرئيس نميري وجاءت من كلمة واحدة في قاموس منفذي الانقلاب وهي (التصحيح) وما بين الكلمتين ظهرت أمور وغابت أخرى، وظل ذلك الحدث منطقة محرمة على الباحثين والمؤرخين وعلى التاريخ نفسه. المؤرخ الأمريكي الأشهر (ويل ديورانت) أو وليام جيمس ديورانت وهذا إسمه الكامل والذي عاش في الفترة من (1885 1981م) عرف بأنه فيلسوف ومؤرخ وكاتب ويعتبر كتاب (قصة الحضارة) باجزائه العديدة أحد أشهر مؤلفاته، يقول ديورانت إن التاريخ يكتبه دائماً الأقوياء .. وهو محق كثيراً فيما ذهب إليه، لذلك علينا أن نعيد قراءة تاريخ السودان وكتابته بعد أن تم تشويهه عن عمد أو عن جهل بأقلام (سلاطين) و (نعوم شقير) و القس النمساوي (جوزيف أورفالد) وغيرهم.. ذلك بالنسبة للتاريخ البعيد الذي لم تعشه أجيال اليوم.. أما التاريخ الحديث المعاش فهو أولى وأحق بأن تتم مراجعة أحداثه حتى نخلص إلى دوافع الحدث ومكوناته ووسائله ونتائجه دون ارتباط مباشر فكري أو سياسي أو عقائدي أو اجتماعي به حتى يكون بحثنا دقيقاً وموضوعياً يقوم على المهنية العالية والرفيعة. أحداث 19 يوليو 1971م وما بعد ذلك التاريخ كثير منها ظل سراً يغيب في عقول الرجال والمشاركين في تلك الأحداث، هناك أسوار من الصمت والحساسية ضربها أبطال تلك الحقبة على الذي عاشوه وعايشوه حتى جعلوا منها أسراراً عصية قد لا يعلم بها أحد إلا إذا ما بعثر ما في القبور ونشر ما في الصدور. (آخر لحظة) أجرت حواراً نشر بالأمس مع العميد شرطة (م) أمين حسن عباس حول اعتقال المرحوم هاشم العطا (بالصدفة) وقال فيه كلاماً خطيراً حول رحلة البحث عن المرحوم عبد الخالق محجوب لاعتقاله ولقائه مع أفراد القوة المصاحبة له بالفنانين الراحلين أحمد المصطفى وسيد خليفة الذين علما بالمهمة وأبديا رغبة في المساعدة وقالا إن المرحوم عبد الخالق إذا كان في الخرطوم فإنه سيكون في (نمرة 2) بمنزل (فلان) وتحفظ السيد أمين عباس على أسم (فلان) ولكنه أشار إلى أنه أحد قيادات الحزب الشيوعي.. ثم تحدث عن اعتقال الرائد هاشم العطا صدفة في رحلة البحث عن المرحوم عبد الخالق، أمام المنزل المحدد وكان معه المرحوم المقدم محجوب إبراهيم طلقه وردت خطأ في عدد الأمس (طلحة) واحتفظ ببقية السر. الاستنتاجات قد تقود إلى محاولة معرفة صاحب المنزل أو صاحبته إذ انحصر التركيز على وجود أسماء شيوعية لامعة تقيم بحى (نمرة 2) في ذلك الوقت.. لكننا لا نريد أن نخطئ لأن الأخطاء في مثل هذه الحالات قد تكون (قاتلة).. لذلك.. رجاء أفتحوا قلوبكم وأطلقوا ألسنتكم.. وكفاكم صمتاً لأن تاريخ السودان أكبر من أن نسكت على أحداثه.