لم تكن مدينة آدم عبد الله مجرد بائعة شاي تنهي يوم عملها الشاق بإطفاء نار «المنقد» فحسب، بل كانت مدينة الشهيرة بلقب «حليوة»، تمثل الكثيرات من نساء بلادي الكادحات، وأصبحت ملاذاً للكثيرين من رموز الثقافة والأدب والإعلام، يقصدون موقعها شمال معهد جوته الألماني بشارع المك نمر، وهم يحملون أسئلة الليل والنهار وكيفية الخروج من دوامة الحياة التي تشغل العقل، حيث تصطف الكراسي و«البنابر» التي تحولت بقدرة قادر الى «منابر» يجتمع حولها أهل الفكر والثقافة والأدب والإعلام، يتفاكرون حول قضاياهم العامة والخاصة، ويتبادلون الأنباء الطازجة حول راهن البلد السياسي والمشهد الإبداعي والفني، بل يتفقدون بعضهم عند مقهى «حليوة» الذي أصبح منتدى تقام حوله الورش والمعارض التشكيلية، حتى أصبحت مدينة آدم عبد الله تتمتع بقدرات خطابية عالية وملاحظات نقدية كذلك، وهي تحفظ أسماء وملامح وسحنات كل الرواد، حيث شاركت حليوة في افتتاح أكثر من عشرين معرض تشكيلي أقيم حول هذا المقهى البديع.. وقد انطبق عليها تماماً قول الشاعر الفذ محمد الحسن سالم حميد: مرة من صميم ضهر الغلابة الما بتنكس راسها غير ساعة الصلاة أو ترمي تيراب في التراب مرة من قديم ما فيها علقفة الرجال ما فيها دلقنة الحريم مرة بت قبائل قالوا لا واختاروا في الحق الجحيم كانت «حليوة» امرأة من هذا الوصف البديع، لذا كان من الطبيعي أن يشاركها شاعر الشعب محجوب شريف طقوس القهوة وشاي اللبن (بالزلابية)، وهي تطلق البخور في سعادة تجسدت في وجوه الحاضرين وهي تبادلهم القفشات، وهم يمثلون كافة شرائح المجتمع من الطلاب والغلابة والمبدعين في شتى الضروب الفكرية. «عندما اختار الفنان التشكيلي عبد المنعم الشقيلي الفضلي «حليوة» لافتتاح معرضه التشكيلي، قالت في دعابة «اليوم أصبحت حكومة بالجد خاصة أنني أعمل بهذا المكان على مدى عشرين عاماً هي عمر الإنقاذ الوطني». وطالبت في كلمة مرتجلة كافة المبدعين بتبني الدعوة للوحدة الوطنية، وردد الحاضرون مع محجوب شريف: «نبني.. نبني.. نبني مسرحاً ونادي مصنعاً وبوستة حرب لا.. لا.. كبري استبالية نحن شعب اوسطى يلا جيبوا مونة بي تمن طبنجة.. أحسن الكمنجة»