حضارة إيران: إن إيران بلد متحضر منذ أبعد الأزمان، إنه بلد قارة، وقد كان إمبراطورية كبيرة تسمي الإمبراطورية الفارسية، وهي- على حد تعبير دائرة المعارف الكتابية- تعد أكبر إمبراطورية ظهرت قديماً في الشرق الأوسط، وقد امتدت في أوج قوتها، من حدود الهند شرقاً إلى بحر إيجة غرباً، ومن بحر قزوين وجبال القوقاز والبحر الأسود شمالاً إلى وطننا العظيم ممالك النوبة وطن الذهب، جنوباً، وكان شعبها يسميها، «أريان» بمعنى إيران، وأريان كلمة تتألق في قلادة اللغة السكريتية، ومعناها «شريف»، فإيران إذن هي الوطن النقي الشفاف الشريف العظيم، وكلمة شريف الآن تطلق على من ينتسب إلى محمد رسول الإسلام. وتدل الكشوف الأثرية على أن إيران عرفت منذ أزمان الزراعة وهي الحضارة والبيوت المستقرة، كما عرفت إيران بالتالي إستئناس الحيوان في عدة مناطق، في جبال زاجروس منذ آلاف الأعوام قبل الميلاد، وفي هذه المناطق الإيرانية نشأت أول حضارة قروية إعتماداً على نظام الري. وكانت مملكة «عيلام» التي سبقت ظهور الإمبراطورية الفارسية، تقع في الجنوب الغربي من إيران على امتداد الساحل الشمالي للخليج الفارسي، وكانت تمد سومر بالمواد المعدنية مثل النحاس والقصدير والفضة والرصاص والمرمر، كما كانت تصدر الاحجار الكريمة والخشب والخيل الفارسي الأصيل. وفي أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، دخلت إلى عيلام قبائل قادمة من جنوبي وشرقي بحر قزوين، وكانت هذه الشعوب الآرية، تشمل كيريين هم نسل جومر، الذي جاء ذكره في سفر التكوين هكذا: بَنُو يَافَثَ: جُومَرُ وَمَاجُوجُ وَمَادَاي وَيَاوَانُ وَتُوبَالُ وَمَاشِكُ وَتِيرَاسُ. وَبَنُو جُومَرَ: أَشْكَنَازُ وَرِيفَاثُ وَتُوجَرْمَةُ(تكوين10: 2-3)، والسكيثين والماديين والفرس، ولم يحل القرن التاسع قبل الميلاد إلا وكان الماديون والفرس قد استقروا في الشمال الغربي من إيران، ولكن أحاط بهم الأراراطيون وهم من جبال آراراط في أرمينيا، والأشوريون والعيلاميون والبابليون، ويتضمن نقش للملك الأشوري شلمناصر الثالث إشارة إلى الماديين، وهي «ماداي» باللغة الأكادية، وإلى الفرس «فارسو» الذين أجلى أعداداً كبيرة منهم في سنة 837 قبل الميلاد، كما أنهم دفعوا الجزية لتغلث فلاسر الثالث (745 - 727 ق.م)، وأيضاً لسرجون الثاني(721 -705 ق.م) واستقر الفرس بالتدريج في شرقي عيلام تحت حكم أسرة أسسها أخيمينس أو حاخامانش HAKAMANISH حوالي 700 قبل الميلاد، وقد أضاف خليفته «تيسبيس» TEISPES أنشان إلى بلاد فارس، كما أضاف إليها أبناء أريامانيس ARIABAMNES، 640-617 قبل الميلاد، أراضي أخرى في الغرب، وقد تزوج قمبيز الأول GAM BYSES ابن كورش الأول من الشابة الأميرة ماندين MANDANE ابنه أستاجيش ملك الماديين، وولدت له كورش الثاني، الذي يروي عنه هيرودت أسطورة تشبه قصة موسي وابنه فرعون، بعد أن أمر أستاجيس بنبذ الوليد فعثر عليه أحد الرعاة وأنقذه، وقد استقلت فارس عن مادي عندما ثار كورش الثاني في سنة 546 ق.م، وأسس الأسرة الأخمينية وقتل أستاجيس واستولى على عاصمة أكبتانا. ويذكر سفر دانيال كيف قام الملك الفارسي كورش بغزو بابل في 13/10/539 ق.م، وكان يقود ثورة شعبية بسبب أوامر نبونيوس بنقل تماثيل الإلهة في ولاية بابل إلى العاصمة، وهذا ما يذكره سفر دانيال: فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكِلْدَانِيِّينَ فَأَخَذَ \لْمَمْلَكَةَ دَارِيُوسُ الْمَادِيُّ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً(دانيال5: 30-31). مؤتمر الأديان: وعندما ذهبت إلى طهران حاضرة إيران لحضور مؤتمر الأديان 30 أبريل أول مايو 2012م، تذكرت كل هذه الحضارة العريقة، وفي افتتاحية المؤتمر قدم سكرتير المؤتمر الدكتور محمد ريزا دهشيري ونائب رئيس قسم الأبحاث تقريراً كاملاً في سبع دقائق عن أهداف المؤتمر وأوراقه، وقدم الدكتور محمد كورمشاد كلمة ترحيب بالمؤتمرين في مدة خمس عشرة دقيقة، ثم تحدث مندوب المكتب الإٍسلامي لجمهورية إيران حجة الإسلام «كومي» كلمة رصينة في الإفتتاحية التي انتهت بحديث جذاب للشاب الجذاب الدكتور بوا جين BAWA JAIN وهو هندي أصيل وجميل، وهو أيضاً السكرتير العام لمجلس الأديان العالمي بالأمم المتحدة، وقد تحدث عن الدبلوماسية الدينية، طالباً عودة الدين إلى ساحة المجتمع، مؤكداً أن الدين لم يكن قط سبباً مباشراً لأي صراع من صراعات الدنيا، وهو هنا يؤكد ما قاله بولس الرسول الذي جعل من كل مسيحي سفيراً للسيد المسيح حيث قال: إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.(كورنثوس الثانية20:5)، وعندما تحدث إلي أهل أفسس ذكرهم أن يصلوا من أجله عند إفتتاح فمه ليعلم سر الإنجيل، هذا الإنجيل: الذي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.(افسس20:6)، هكذا قال بولس. أما سليمان الحكيم فقد تحدث في سفر الأمثال عن السفير الأمين قائلاً: السَّفِيرُ الأَمِينُ شِفَاءٌ.(أمثال17:13). وقد استعمل السيد المسيح كلمة سفارة باعتبار أنها قافلة سفراء يطلبون السلام بين الدول والملوك: وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفاً؟ وَإِلاَّ فَمَا دَامَ ذَلِكَ بَعِيداً يُرْسِلُ سَفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ.(لوقا14: 31، 32). والدبلوماسية الدينية التي دعي إليها «جين» تتطلب من رجل الدين أن يكون دبلوماسياً رقيقاً رفيقاً بالناس فاهماً لرسالته الروحية، مقدماً الروح عن إحتياجات الجسد.