المطربة الكبيرة فاطمة الحاج هرم فني شاهق، ولكن معظم أو كل الأجيال الجديدة لم تسمع ! مجرد السمع! بهذا الاسم، كما لم تسمع تماماً باللائي سبقنها في عالم الفن الغنائي ومهدن لها الطريق مثل أم الحسن الشايقية، وفاطمة خميس، ومهلة العبادية، وإنْ سمعت هذه الأجيال بالمطربة الكبيرة عائشة الفلاتية فهي لم تتعرف قطعاً على التجربة الفنية لهذه الفنانة السامقة القامة. ولعل النظرة السلبية التي كان ينظر بها المجتمع السوداني لفن الغناء عامة ومشاركة المرأة فيه بصفةٍ خاصةٍ، هى التى تقف وراء تجاهل المغنيات والمطربات في السوح العامة، وحتى الفتيات اللائي كن يغنين في المناسبات الاسرية كن يتجهن بوجوههن إلى الناحية المعاكسة لناحية الرجال، فقد كان المجتمع آنذاك مجتمعاً موغلاً في محافظته وأبويته وذكوريته، وحتى عندما شقت المطربات المذكورات طريقهن الشاق والوعر في ذلك المجتمع الشائك لم يجدن بغيتهن إلا عبر نافذة الإذاعة السودانية والحفلات العامة، بل إن الرائد الكبير الشيخ بابكر بدري على قدره كان يجاهد جهاد الأبطال من أجل ان تحصل البنت على مقعدٍ للدراسةٍ. وفي هذا المناخ الملبد بالغيوم وُلِدتْ فنانتنا الكبيرة فاطمة الحاج بمدينة رفاعة عام 1915م، ونشأت على حب الفن الغنائي حتى اقتحمت ساحته بالكثير من الأغاني الخالدة، إلا أن الاذاعة ! مع الأسف- لم تسجل لها إلا قطرة لا تبل الصدى، ويعود اكتشاف هذه الفنانة الكبيرة إلى مجهود الموسيقار الراحل الكبير بدر التهامي الذي عثر على هذه الدُّرةَ عام 1943م في حفل بمسقط رأسها«رفاعة» كان يُحْيِّه الهرم إبراهيم الكاشف، ومن هناك انتقلت إلى عاصمة الفن السوداني «أم درمان» حيث تعرف عليها الشاعر والملحن الكبير عوض جبريل، ومن هنا بدأ التعاون المثمر بين الهرمين، وكانت ثمرات هذا التعاون اغنيات خالدة مثل«أنا لَّى حبيب شاغل بالي دايماً محطم آمالي» من كلمات عوض حبريل وألحان أحمد زاهر، وأغنية «إستحقْ صدَّك لأني حبيتك»، وأغنية «ورد الغرام» من ألحان الفاتح حاج سعيد، «حيرة قلب» من ألحان عثمان خضر، ومن الحانه أيضاً «أنا مُسّتحِيل أنساك». كما وضع الشاعر بشير محسن عدداً من الاغنيات لفاطمة الحاج أشهرها «مُنَاى أشوفك»، و«على بالك» و«سهام» من الحان علاء الدين حمزة، وأغنية «ليه ناسينا» من الحان سيف عبد القادر، وعموماً فقد تعاونت الفنانة فاطمة الحاج مع عددٍ كبيرٍ من عمالقة الشعراء والملحنين في ساحة الغناء السوداني، فإلى جانب من ذكرنا تعاونت مع إسماعيل خورشيد، ومحمد على أبو قطاطي، وحسني محمد حسن، وعمر البنا، وجعفر فضل المولى، والتاج مصطفى، وعبد الحميد يوسف، وأحمد مرجان، ويوسف الشيخ، هذا وقد تغنت بالأغنية الشهيرة «حبيتو ما حَبْانِّي» من كلمات الشاعر محمد عوض الكريم القرشي، وأداء الفنان عثمان الشفيع الذي تركها لها فترةً طويلة، كما غنت واحدةً من أجمل اغنيات الفنان عبد الحميد يوسف وصارت من أجمل اغنياتها وهى «لَاََقَيتو باسِمْ» وكغيرها من فناني وفنانات ذلك الزمن الجميل، كانت فاطمة الحاج مغرمة بارتياد دور السينما في ام درمان«الوطنية، وبَرْمبَّلْ» لمشاهدة الأفلام والإستماع للأغاني المصرية، وقد تأثرت بذلك أسوةً بغيرها وغيرهم، كما طافت الكثير من المدن السودانية في رحلات فنية مشتركة، ولكن بعد أن كانت نجمةً لامعةً خبت وتلاشى بريقها، وعلى المغنيين إعادة اكتشافها وتقديمها للأجيال الجديدة التي تجهل كل شئ عنها، وعن إبداعاتها الرائعة التي كانت تحتل مكانة تليق بها وبفنها.. عليها الرحمة والغفران.