الأعوام الفائتة شهدت حالات من البكاء على الهواء مباشرة، وفي أكثر من محفل.. بكى سياسيون وشعراء وفنانون.. ربما كان ذلك بسبب اقتطاع جزء عزيز من اأرضنا اسمه جنوب السودان وذهب بعيداً.. خفت موجة البكاء حتى عاودت برحيل عدد من رموز الغناء والشعر على التوالي وكلنا بكينا.. حتى يمكننا أن نصف السنوات الأخيرة بسنوات البكاء .. لماذا ارتفع سعر تيار حرارة البكاء الى هذه الدرجة، ولا أخفي عليكم بأن العدوى انتقلت اليّ .. فمرة وأنا استمع في القناة القومية للراحل العطبراوي ومحي الدين فارس لأغنيه «لن أحيد» بكيت .. في زول ببكي في أغنيه.. المهم في تلك الحالة من البكاء دخلت في شجن عميق .. وتذكرت عزيزاً علي وهو مريض.. فقلت أزوره في المستشفى .. لعله عمل خير يخرجني من حالة البكاء بلا سبب .. « الضحك بلا سبب » معروفة صفتها.. فالبكاء بلا سبب يكون شنو.. ؟ ذهبت الى المستشفى ما أن توغلت الى مشارف عنبر «زولي المريض»، رأيت امرأة في مقتبل العمر تبكي بحرارة اتجهت اليها.. «وتحشرت» قائلاً : استغفري الله.. الدوام لله.. المات ليك منو؟ فجأة انتفضت : « ابرا من الموت ما مات لي زول» .. غالبت فضولي فلم استطع فقلت لها : ولو انو تدخل مني لكن بتبكي مالك؟ .. فقالت : والله ماعندي حاجة بس لقيت الحاج داك ببكي بكاءً حاراً .. قام بكاهو «بكّاني» .. ذهبت الى «الحاج داك» فوجدته يغالب دموعه وبنفس الفضول.. قلت اشيل معه الفاتحة لكن ضبطت نفسي .. فقلت له : استغفر ياحاج .. فأستغفر .. فقلت له البركة فيكم .. فقال لي معترضاً : « لا لا ماعندي زول مات» .. قلت: لكن أنت قاعد تبكي.. فقال لي: لا أبداً بس لقيت الولد داك- وأشار الى صبي وأضاف: لقيتو ببكي بكاء حار فبكيت.. سألت في عبط: كيف يعني .. فقال : « بكاهو بكاني » .. ذهبت الى الصبي يا ابني الدوام لله.. نطط عيونه.. قلت له: المات ليكم منو ؟ فقال: « ما مات لينا زول » .. ولأنه صبي وأنا كنت شغال مدرس سألته مباشرة سمح بتبكي مالك.. فقال: لا بس أنا جيت مع ابوي للكشف.. فجأة لقيت ابوي ببكي .. قام بكاء ابوي بكاني.. سألته: أين أبوك؟ أشار إليه فذهبت اليه.. ياحاج « الببكيك شنو » ؟ نظر اليّ ممتعضاً قائلاً: الله .. البكاء منعو ..؟! .. قلت لا .. عشان بكاك بكّى ولدك.. فقال: ابداً شفت لي جنازة مرقت والنسوان « يوصّفن وببكن» قمت بكيت.. والمات ليهن منو سألته؟ قال : «ماتت امرأة » .. فعرفت انه ليس زولي المريض عدت أدراجي .. سألني الولد .. لقيت أبوي ببكي مالو؟ .. قلت ليهو « ساكت » .. سألني الرجل : لقيت الولد ببكي مالو؟ فقلت « ساكت» .. ثم سألتني المرأة : لقيت الراجل ببكي مالو؟ .. فقلت «ساكت » وهكذا.. عدت الى البيت.. ودخلت غرفتي وأجهشت بالبكاء ...!!