أذكر ونحن طلبة فى الجامعة فى الستينات كنا ندرس فقه اللغة الإنجليزية Linguisticsومدلولات الكلمات وإرتباطها بالبيئة التى نشأ فيها الفرد وكيف أن الكلمة لا تشرح نفسها فى القاموس فقط بل لها إرتباطات مرجعية أخرى تنشأ فى البيئة التى يترعرع فيها الإنسان. وكان البروفسور ماكميلان، وهو أسكتلندى ويرأس شعبة اللغة الإنجليزية فى جامعة الخرطوم، ينصحنا دائماً أن نحذر المعاني والشروح المجردة للكلمات التى نجدها فى القواميس. وكان يقول لنا دائماً أن نكون واعين وحذرين غاية الحذر عند إستخدام مفردات اللغة التى ربما يكون معناها واحداً ولكنها تختلف بإختلاف الإستعمال وبإختلاف البيئة الإجتماعية لمجتمع الكلمة نفسها، كما أنه يمكن أن يكون لها معاني مجازية، كما كان يقول لنا أن هناك عبارات مجازية لا تعنى المعنى الحرفي للمفردة اللغوية. فمثلا فى اللغة الإنجليزية هناك بعض العبارات التي تنطق ويراد بها معنى آخر غير المعنى الحرفي لها مما قد يسبب بعض الإشكالات في فهم بعض المحادثات. والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاَ إذا قلنا Break the ice"" ومعناها الحرفي أكسر الثلج، ولكننا نقصد بها معنى مجازي وهو مهد الأمور أو مهد الطريق لأمر ما. وإذا قلنا He looks blueومعناها الحرفى هو يبدو أزرقاً ولكن معناها المجازي هو يبدو حزيناً. وإذا قلنا He is a black sheep?، ومعناها الحرفي هو خروف أسود ولكن معناها المجازي هو شخص سيء الأخلاق، وإذا قلنا This is a hot air ومعناها الحرفي هذا هواءٌ حار، ولكن معناها المجازي هذا كلام لا فائدة منه. أو إذا قلنا She is in the clouds ومعناها الحرفى هي فى النجوم ولكن معناها المجازى هي شاردة الذهن، أو إذا قلنا It rains cats and dogs" ومعناها الحرفي أنها تمطر قططاً و كلابا، ولكن معناها المجازي أنها تمطر بغزارة، أو إذا قلنا This is nuts"، ومعناها الحرفي هذه مكسرات، ولكن معناها المجازي هذا جنون أو هذا هراء، أو إذا قلنا It's a piece of cake"، ومعناها الحرفي أنها قطعة من الكيك، ولكن معناها المجازي إنه لأمر سهل جداً. وقد نشأت قبل مدة معركة فى اليونان ما زلت مشتعلة حتى الآن بسبب كلمة وردت فى قاموس يونانى حيث شرح جورج بابينيوس رئيس لجنة قاموس اللغة اليونانية الحديثة الذى يعتبر علماً من أعلام النحو اليونانى الحديث كلمة بيلغارى على أساس أنها تعنى أيضاً شتيمة موجهة إلى لاعبي الفرق الرياضية فى مدينة سالونيك فى اليونان، وقد أثار شرحه هذا ضجة لم يهدأ أوارها حتى هذه الساعة بل أنها بلغت هرم السلطة فى اليونان، الشيء الذى أجبر بعض الزعماء السياسيين ورؤساء الأحزاب على التدخل. وقد رفض العديد من أعضاء حركة المعارضة المحافظة فى مدينة سالونيك هذه العبارة رفضاً باتاً معتبرين أنها خطيرة وغير مقبولة بالمرة وقالوا عنها أنها كلمة معادية للوحدة الوطنية. وأمام هذه الهجمة العنيفة قامت السلطات القضائية بمنع تداول القاموس فى شمال اليونان، ولم يكتف القاموس بهذا بل قال أيضاً أن كلمة بوتيوس يمكن أن تعنى أيضاً ساذجاً وغبياً وأحمقاً. وقد أثار هذا ثائرة البانتيوس وهم اليونانيون الذين يسكنون بون اركسين على البحر الأسود والذين قام الأتراك بطردهم فى العشرينات وبعدها نفاهم ستالين إلى جمهوريات آسيا الوسطى ويبلغ عددهم الآن فى اليونان 150 ألفاً. وقد رفع هؤلاء دعوى قضائية ضد القاموس مطالبين بتعويضات. ورداً على هذه الهجمات طالب بابينيوس المثقفين ورجال السياسة والصحافيين بالوقوف بحزم ضد المتزمتين وضد الرقابة وقال أن وقف القاموس هو عمل خطير ضد العلم وضد الثقافة فى اليونان.