مع آمال عراض يتأبطها الشارع السوداني، وفي ظل موسم الخريف الذي ينذر ربما ببشريات الإنفراج السياسي والاقتصادي، تظل العين تراقب عن كثب مجريات المفاوضات التي تستضيفها اديس أبابا هذه الأيام بين السودان ودولة جنوب السودان، وصولاً إلى إتفاقات أو على الأقل مذكرات تفاهم حول عدد من الملفات العالقة التي عطلت برأي محلليين اقتصاديين، عجلة التنمية التي تدور بصورة تصاعدية وبانفصال الجنوب توقف حماس التنمية، بسبب الاعتماد على عائدات البترول المنتج وقتذاك. واقع الحال ودعوات سابقة ترجح عودة العقول إلى رشدها والالتفات إلى النهضة الزراعية وبكل ما اوتيت من قوةٍ. أديس ابابا هذه المرة تأمل أن تدفع بنجاح المفاوضات القائمة.. في وقت يظل الملف الأمني الحدودي هو الأخطر لكنه بأي حال ليس مستعصياً على من يريد السلام وجاء مستبشراً للوصول إلى حلول عادلة توافقية.. ويبقى السؤال هل ما اذا كان السودان حراً في ارائه واطروحاته في البحث عن وسائل نجاح المفاوضات كذلك هو وفد جنوب السودان.. وليس فقط كما يردد التفاصيل في الشيطان.. إلا أن الملاحظ أن هناك شياطين بيض تحوم خارج أروقة المفاوضات.. من يستطيع قتلها للأبد.. المبعوث الأممي للدولتين السفير هيلي منقربوس أبدى تفاؤلاً كبيراً عقب بدء المفاوضات الجمعة الماضية، وأكد على أن الملف الأمني والاتفاق حوله بشكل حاسم يعتبر ممهداً جيداً لخط سير بقية الملفات الأخرى. بينما تشير مصادر لصيقة بالمفاوضات إلى أن الطرفين ما زالا متمسكين بمواقفهما السابقة خاصة فيما يتعلق بالخُرط على الأرض. وبحسب مشاهد المفاوضات الجارية يبدو أن الملف السياسي هو الآخر مرهون بالتوافق الأمني ثم الحدود.. ودون اصدار احكام غير منطقية لابد من انتظار بقية الأيام القادمة وهي حُبلى بالمفاجآت.. الأمر الذي أصبح واضحاً من سياسة الصبر والدبلوماسية العالية التي بات وفد السودان يتعامل بها.. لكن هل سيجدي ذلك مع دولة جارة تفتقر إلى أبسط مقومات التعامل الدبلوماسي أو اللباقة السياسية. ناهيك أن تحافظ على عُشَّرة الملح والملاح لتكون على رأس أسباب وأد السلاح بين البلدين الجارين. الوسيط الأفريقي تامو أمبيكي والمبعوث الدولي هايلي منقريوس وممثل جامعة الدول العربية بالسودان صلاح حليمة وغيرهم على رأس مراقبي المفاوضات.. إلا أن نجاحها وتقدمها يظل فقط بيد وفد السودان ونظيره من جنوب السودان.. وعلى الخرطوم ان تستعمل كل الوسائل السلمية الممكنة والاستفادة من أدوار وأدوات الضغط الممكنة كذلك دون اعطاء فرصة لدولة الجنوب بوضع عراقيل على مجريات هذه المفاجآت واستفادتها من هدر الوقت لمزيد من الضغط ربما للاشتراك مع جهات داخلية واضعاف مواقف السودان تجاه القضايا الموضوعة على طاولة المناقشات. والعبرة تكون صورتها واضحة أكثر مما فات. لزم الأمر بتوزيع المهام، دون تسويفٍ أو تخوينٍ أو التعامل مع قضايا حساسة جداً بذات التركيبة الفطرية السودانية، التي تعتمد على بركة الله دوما،ً ولكن دون أن تعقلها ودون أن تعمل لذلك و تتحرك في الإتجاه الصحيح. الدكتور جمال رستم خلال حديثه ل«آخر لحظة» قال إن المفاوضات في جولتها الثانية تسير في ظل ظروف بالغة الحرج ومع دولة تجد كل الدعم والسند من الغرب، لضرب السودان ومحاصرته كلياً ومن ثم فرض الاملاءات عليه وفق خطط محكمة ضمن مسلسل إستراتيجي عدائي من قبل ما يسمى بالجبهة الثورية، وطالب دكتور جمال رستم الحكومة باعلان استنفار سياسي وعسكري وأمني لمواجهة ما اسماه بالتحديات المقبلة، وتوحيد الجبهة الداخلية،، وأكد دكتور جمال أنه مع سير المفاوضات، والضغط على قبول مقترحات تسعى جوبا بتحريك جيشها صوب أبيي لفرض سيطرتها وإحداث مزيداً من الضغط على الحكومة مؤكداً على أن الاجانب الأربعة الذين تم القبض عليهم كانت مهمتهم تغيير الحقائق الجغرافية على الخرطوم وتقديمها كدلائل على إدعاءات دولة جنوب السودان ضد السودان، كما حث دكتور جمال على المزيد من العمل الدِّبلوماسي المتسق مع الإستراتيجيات الوطنية، وكسب أصوات الحلفاء والأصدقاء وإحداث حراكاً خارجياً، لكسب الجولات المقبلة التي طالب فيها الحكومة برفع سقف مطالبها لتتحصل على ما هو ممكن منطقياً وواقعيا،ً والرد على الادعاءات التي تَعَوَّد عليها السودان في مسلسل «التَّكالب والتَّهافت» قبل حلقاته الأخيرة، ولا ندري من سيكون البطل؟ وأضاف دكتور جمال رستم بأن الجولات المقبلة للمفاوضات يمكن ان تحقق نجاحاً اذا ما تم إشراك قوى المعارضة في مداولاتها، وفي ذات الشأن الوطني العام قال نأمل أن تغير الحكومة خطابها، وتكسب أصوات المعارضة، واعطائها مساحة أكبر من تضافر الجهود المشتركة، نحو المزيد من الإستقرار السِّياسي والإقتِّصادي المنشود.