فى العام 2004 نظمت وزارة الخارجية الصينية زيارة لحوالى العشرين من القيادات الإعلامية للدول الأفريقية الناطقة بالإنجليزية للوقوف على معالم النهضة والحضارة الصينية وبرنامج الزيارة الذى استمر لمدة اسبوعين كان برنامجاً صارماً تم تنفيذه كما أُرسل لكل مدعو قبل أكثر من ثلاثة أشهر من موعد الزيارة وبمواقيته المحددة. من ضمن برنامج الزيارة الذى نظم لهذه القيادات - وكنت أمثل السودان - زيارة لواحدة من كبريات المطابع الصينية فى مدينة شنغهاى ولفت إنتباهى أن المطبوعات التى كانت تطبعها هذه المطبعة ذات التقنية المتقدمة لم تكن مطبوعات صينية وإنما مجلات أوروبية من نوع المجلات المتخصصة فى الديكور والأثاثات والسيارات وغيرها من المجلات المغلفة ذات الورق المصقول والاحجام الضخمة ومتعددة الصفحات. عرفت من مرافقنا أن مثل هذه المطبعة كثر فى الصين وتستقطب زبائنها من دول العالم كافة لجودة الطباعة ورخصها ويعلم ان الصين هى رائدة فى مجال الكتابة والطباعة وصناعة الورق منذ ماقبل الميلاد . فالطباعة مورد من الموارد الضخمة للإستثمار وجلب العملات الحرة وكان فى الإمكان أن يكون لنا ذلك لأن السودان من اوائل الدول الأفريقية التى دخلت إليها المطبعة وذلك فى العقد الثالث من القرن التاسع عشر وتطورت انواع المطابع التى دخلت البلاد فى الحقبة الإستعمارية خلال القرن العشرين وكانت تسد حاجات البلاد من المطبوعات الإدارية والكتب المدرسية والمطبوعات التجارية والمطبوعات الصحفية . ومع ظهور الطباعة الرقمية كان بالإمكان أن تحل هذه الطباعة محل المطابع التجارية التى تعمل حالياً وتمتلكها بيوتات خبرت هذه الصناعة لما يقارب التسعين عاماً ألا ان الحكومة التى كان يفترض فيها تشجيع هذه الصناعة ودعمها لاتزال غير قادرة على تذليل العقبات التى تقعدها عن النهوض . يورد الأستاذ خليفة أبو زيد مدير شركة مطبعة التمدن وهى أول مطبعة سودانية تجارية أنشأها المرحوم أبوزيد خليفة عام 1938 بعض الأسباب الرئيسية التى لاتنهض بالطباعة فى السودان وأولها توصيف الطباعة هل هى صناعة أم عمل تجارى والبديهى أن الطباعة فى أى بلد تعتبر صناعة لأن كل شروط الصناعة تنطبق عليها ومن المؤسف أن بلادنا لاتزال تتعامل مع المطابع كعمل تجارى مما يؤدى ذلك الى ارتفاع تكلفة المنتج المطبوع إذ تعامل بتعريفة الكهرباء التجارية وليست الصناعية. ومن المفارقات أن مكاتبات رسمية تمت بين وزارة الصناعة ووزارة الكهرباء منذ العام 2004 لمحاسبة المطابع بتعريفة كهرباء القطاع الصناعى إلا أن هيئة الكهرباء تصر على محاسبتها بالتعريفة التجارية . ويؤكد الأستاذ خليفة أبو زيد وهو الرئيس السابق لغرفة الطباعة بإتحاد أصحاب العمل أن توجيهاً رئاسياً صدر من السيد رئيس الجمهورية فى جلسة مجلس الوزراء رقم 434 يقضى بإدخال صناعة الطباعة والتغليف ضمن تعريفة كهرباء القطاع الصناعى إلا أن هيئة الكهرباء إستمرت فى المحاسبة بالتعرفة التجارية وحتى بعد قرار مجلس الوزراء بتوطين الطباعة بالبلاد والتى كان من الواجب إنفاذ هذا القرار بتذليل كل العقبات التى تواجه صناعة الطباعة بالبلاد إلا أن الحال بقى كما هو عليه رغم الجهد الكبير الذى بذله السيد رئيس اللجنة المعنية بهذا الأمر المهندس على أحمد عثمان وزير الدولة السابق بوزارة الصناعة. المنتج من المطابع السودانية سعره مرتفع وتكلفته عالية والمطابع الموجودة فى السودان هى ذات المطابع الموجودة فى أزقة وحوارى سوريا والأردن ولبنان وهى ذات منتج ممتاز وسعره رخيص وتكلفته أقل لأن هذه البلاد نظرت لها كصناعة واستثمار وتجنى من وراء ذلك عائدات وموارد مالية كبيرة .