المهندس سعد: تعرفت على البروفيسور سعد محمد أحمد سليمان من خلال كتابه الموسوم: «تاريخ الخرطوم»، وقد دفعه إليّ شقيقه الصحفي المخضرم المهذب، الجار العزيز فيصل محمد، وقد حفظ جاري وصية حب الجار، وهو يأتي إلى منزلي العامر في كل عيد ميلاد وعيد قيامة، يشاركني بهجة الأعياد المجيدة، وعندما قرأت كتاب بروفيسور سعد عن الخرطوم، أُعجبت جداً بحماسه الشديد لمدينة الخرطوم الجميلة، لقد أراد أن يحدث توازناً بين الخرطوموأم درمان، لأن كثيرين كتبوا عن أم درمان، وقليلون هم الذين اهتموا بالخرطوم، وهذا أمر مهم، وجاء كتاب بروفيسور سعد عن الخرطوم قطعة أدبية جميلة، والمؤلف مهندس بل أستاذ في علم الهندسة، ولكنه أديب ومؤرخ وموثق يشار إليه بالبنان، لقد دخل التاريخ هاوياً ولهاً، وعاش في عشقه، وبدأ يقرأ رسائله الغرامية عبر الأيام والدهور، وإعجاباً بالكتاب والكاتب كتبت عنه مقالاً، وكنت قد انتقدت فيه أنه لم يكتب شيئاً عن أقباط الخرطوم الذين عاشوا فيها، وعاشت في قلوبهم، ولهم فيها الكنائس الجميلة العديدة، حتى المقابر لهم ثلاث مقابر، أولها كانت في موقع داخلية الطب، وثانيها في الخرطوم، وثالثها في الصحافة، هذا عدا مقابرهم في أم درمانوالخرطوم بحري، وهذا مؤشر على عددهم الضخم وكثرتهم، ومحبتهم لتراب الوطن الذي عاشوا عليه محبين، ودفنوا تحت ترابه مؤمنين. وقرأ المهندس المقال، وعندما جاء لزيارة السودان خصص وقتاً ليلقاني فيه، واحترم جداً تعليقاتي، وأخذ كشفاً بأسماء شخصيات قبطية يمكن أن يجلس إليها ويعرف تاريخها، من بينهم جوزيف قلادة، الذي كان أول من أدخل التراكتور أو الجرار إلى مزارع كسلا، وكان أيضاً رئيساً للجمعية القبطية بالخرطوم، والدكتور النطاسي البارع «حشمت شفيق» والذي يعد كنزاً للمعلومات عن أقباط الخرطوم، والعائلات القديمة فيها، كما أن شقيقه صليب شفيق كان من مؤسسي جريدة الرأي العام في بدء مولدها، وأيضاً النجيب أسعد النمرود، وكان معروفاً جداً بمعرفته الواسعة عن الخرطوم وعن تاريخها المجيد، كما طلبت إليه أن يجلس في حضرة أستاذ الأجيال نيافة الأنبا دانيال أول مطران قبطي سوداني الخرطوم.. كما قدمت له أسماء أخرى لامعه في سماء الثقافة القبطية السودانية مثل رفعت حكيم سكرتير النادي، والدكتور نصري مرقس رئيس النادي القبطي لعدة دورات، والأستاذ فيكتورحكيم خبير البنوك بل خبير تطبيق الشريعة الإٍسلامية على البنوك السودانية. ورغب برفيسور سعد ليس في الجلوس إلى الأقباط فقط، إنما أراد أن يكتب بنفسه كتاباً عن أقباط السودان، وفرحت جداً بهذا وقرأ مسودة كتابي أقباط السودان، وهندس لمقدمته التي هي تحت عنوان «هذا كتاب توثيقي هام» وقال هكذا:- طلب مني الأب فيلوثاوس فرج التقديم لمخطوطه «أقباط السودان» والذي نحا فيه إلى توثيق التاريخ الإجتماعي لطائفة الأقباط في السودان «قبيلة بنو قبط- إن جازت التسمية»- وقد وجد الموضوع هوىً في نفسي إذ إن موضوع توثيق تاريخنا الإجتماعي شغلني منذ زمن بعيد وكرَّستُ له آخر خمس ماضيان من سنوات حياتي، وآمل أن أعطيه الكثير من السنين القادمات إن بقي منهن شيئاً. يدلف الأب فيلوثاوس فرج كما عودنا في كتابات أعمدته الصحفية إلى الأسلوب الإخباري السهل والمحتشد بالإيمانيات والمواعظ الحسنة، وهنا تغلب عليه المهنية، ويتخلل كل ذلك تحليل منهجي للموضوعات التي يغطيها الكتاب.. يسرد الكتاب تاريخ المؤسسات القبطية من كنائس ومكتبات وجمعيات ومدارس، وتمنيت إن كان جُعْلَهُ للمدارس القبطية بنفس القدر الذي خص به المكتبة القبطية، وذلك للدور الكبير الذي قامت به هذه المدارس تجاه تربية وتعليم وإعداد أجيال وأجيال طيلة القرن المنصرم ومازالت تقوم اليوم بدور مقدَّر تجاه أبنائنا. لا يخفى على القارئ الفطن الحس الشاعري المرهف للكاتب، حيث تناول بالنقد والتحليل بعد جزالة العرض أشعار شعراء السودان من القبط خاصة القمم منهم أمثال سعد ميخائيل، وصالح بطرس، وعزيز أندرواس، وعزيز التوم منصور، وبين ثنايا هذه الجزئية من الكتاب استشعرت في أسلوب الكاتب من الناحية المنهجية الأثر البين لملامح من المجتمع السوداني لحسن نجيلة.. وقد استمتعت كثيراً بالنماذج الراقية والأدب الرصين لهولاء المبدعين المنسيين كما هو حال الكثير من مبدعي بلادي. وثَّق الكتاب أيضاً للعديد من الشخصيات القبطية خاصة الدينية منها، والتي أسهمت في الحفاظ على الحس الديني المرتفع عند طائفة الأقباط، ومنهم حبيب جرجس، والأنبا صرابامون والقمص يوحنا سلامة، لم يغفل الكاتب في التوثيق للشخصيات التي لعبت أدواراً مرموقة في المجتمع السوداني على الصعيد العام إبراهيم بك خليل، ويوسف ميخائيل، ويعقوب عبد السيد ميخائيل. خلاصة القول فإن كتاب أقباط السودان يعتبر إضافة حقيقية للمكتبة السودانية وبه أصبح الأب فيلوثاوس فرج أحد المورخين لتاريخنا الإجتماعي.