والآن.. هل ينفجر السؤال في وجوهنا.. هل يثور البركان نافثاً لهباً وحمماً.. والسؤال المكتوب في خط الأفق.. بأعواد مشاعل.. هل أصبح في السودان أيضاً دولة «عميقة».. وتوأم آخر للسؤال الكارثة.. هو أيضاً مكتوب بل محفور في الصخر بأطراف أسنة وخناجر.. هل هناك مراكز قوى في السودان.. هل هناك أيادٍ لا ترى بالعين المجردة، ولا حتى تحت عدسات المجهر تحرك الناس على خشبة المسرح.. ينفذون إرادتها ويفعلون وفق مشيئتها؟ ولا نجيب.. ولا حرفاً واحداً في ورقة الإجابة التي لن نسلمها للمراقب بيضاء من غير سوء.. ولكننا وحتى نحصل على درجات تبريء ساحتنا أمام هيئة أو مجلس امتحانات الوطن.. ونبريء أنفسنا من هول وثقل المسؤولية، وحتى لا يئن ضميرنا من أهوال وأثقال تعذيب الضمير.. وسهر الليالي و «النوم الخزاز» وقبل كل أولئك وهؤلاء.. نبريء ساحتنا أمام الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. وحتى لا نكون مثل الشيطان والسكوت عن الحق.. نكتب.. ونقول.. لا علم لنا بمراكز قوى.. ولا معرفة لنا بدولة عميقة.. ولكننا نقسم برافع السماء بلا عمد.. إن في الوطن بعض المسؤولين.. الذين ما زالوا في كراسي الحكم.. وأولئك الذين غادروا الكراسي.. إن هؤلاء أقوى من هوج الرياح، وأشد قوة من أعتى إعصار عرفه الكوكب.. لهم حصانة لا تطالها مساءلة ولا تطولها أسئلة.. إنهم يتقافزون في كل الساحات في كل المساحات.. يفعلون ما يفعلون.. ويظل فعلهم عصياً على «النقض».. ناهيك عن التصحيح.. وهل تريدون أمثلة.. نعم.. خذوا عندكم.. ذاك الذي صنع وأنشأ.. واستحدث.. وفاجأ الدنيا ب«البكور».. هذا الرجل تحدى كل خطوط الطول والعرض في الكوكب.. سخر من قرينتش، وضحك طويلاً على «بج بن».. غير حياة الناس من زمانه ذاك وحتى زماننا هذا.. لم تستطع قوة في الأرض أن تطمس حرفاً واحداً من قراره الذي أحال الليل إلى صباح.. وأحال الصباح إلى ليل.. لم تزحزحه ولم تزحزح قراره أمطار المداد.. وملايين الحروف عن قراره بوصة واحدة.. لم تستطع كوكبة العلماء في كل التخصصات وتلك اللجنة التي خلصت وأمرت بمراجعة والغاء القرار.. وما زال القرار سارياً وسيظل سارياً رغم أنف الجغرافيا.. ودعاء المظلومين.. وبكاء المتأثرين.. والسؤال.. أليس الرجل خارقاً.. ومهيباً.. بل اسطورياً.. وهل من مثال آخر.. نعم.. فقد غادر الشعراء من متردم.. وعذراً شاسعاً يا عنترة.. أيها المسكين وأنت تموت وتبلى عظامك وما زالت وما زالت رفاتكم تقسم بأنه ما غادر الشعراء من متردم.. والمثال هو المتعافي.. أرأيتم من الله خلقكم.. أن تنفجر في وجه مسؤول.. عشرات من الاستفسارات والصحف لم تترك في جسد وزارته بوصة واحدة إلا فيها طعنة من حرف وضربة من كلمة.. والرجل صامد صمود الجبال.. لا ينطق حرفاً و«لا يهبب» لكاتب ناراً.. ثم يتواصل مسلسل قوته واسطوريته.. والصحف وعلى ذمتها تقول.. إنه وأثناء إجازته أو استقالته.. يأتي إلى وزارته.. ليلغي قراراً أصدره السيد رئيس الجمهورية شخصياً وفي «خمس دقائق» فقط.. ليواصل «استقالته» وما هي إلا ساعات ويعود الرجل إلى وزارته وزيراً وكأن شيئاً لم يكن.. وهل تريدون مثالاً آخر.. نعم «عندنا» مئات الأمثلة.. ولكننا نكتفي فقط اليوم بمولانا الطيب مصطفى.. لن أحدثكم عن سهمه الوافر والراجح والكبير.. والفاعل في شطر الوطن.. وذهاب ثلثه مبكياً عليه.. لن أحدثكم عن الرعب الذي يبثه في أوصال معارضيه، وسيل الشتائم والسباب المتدفق كما السيل من منبره.. ولكني أحدثكم عن نجوم وأقمار وركائز.. من أركان الحكومة.. وتحديداً أولئك الموكل لهم التفاوض.. إنهم يضعون له ألف حساب.. قبل وأثناء وبعد التفاوض يطلقون زخات من التطمين له، وقبل مبارحتهم الوطن، وهم يتجهون إلى طاولة المفاوضات نيابة عن حكومة.. نيابة عن أمة.. نيابة عن وطن.. حتى تكاد تحس بأن الرجل.. يعادل تماماً ويتساوى تماماً مع الوطن.. بالله عليكم.. «ده زول عادي». مع السلامة