ü في زاوية «يحدث في الجوار» بصفحة «سياسة» في جريدة «الصحافة» طالعت إفادات لثلاثة من رموز الإسلام السياسي في بلادنا تنعى على الرئيس المصري محمد مرسي وتلومه وتشكك في مدى التزامه بنهج الإسلام بسبب تعيينه «قبطي وامرأة» في منصبي «مساعد الرئيس».. ففهمت على الفور لماذا ينظر الإسلاميون المصريون، و«الإخوان المسلمون» منهم خاصة، بعين الريبة وعدم الارتياح لنهج وفهم الإسلاميين السودانيين لدعوتهم، دعوة الإخوان المسلمين التي انطلقت ابتداءً من مصر وليس من السودان أو أي قطر عربي أو إسلامي آخر، ولماذا أصحاب «الدعوة الأصل» أكثر انفتاحاً وتسامحاً من «المُقلدين» الملتحقين بالدعوة، إذا ما استثنينا «حزب التحرير» ذا المنشأ والتاريخ الخاص المختلف، والذي لا يتفق مع فكر «الإخوان» إلا في مراحل باكرة وجنينية، حيث جمعتهما الدعوة لاستعادة «الخلافة الإسلامية» في زمن حسن البنا، وهي الفكرة التي لم يعد الإخوان يطرقون عليها كثيراً في برامجهم وتبشيرهم، بينما لا تزال قطب الرحى في حركة ودعوة حزب التحرير.. لكن يبقى ما يجمع كل هؤلاء هو الدعوة لقيام «الدولة الإسلامية». ü زاوية «يحدث في دول الجوار» استنطقت ثلاثة من رموز العمل الإسلامي في السودان هم الأستاذ إبراهيم عثمان الطويل الناطق الرسمي باسم حزب التحرير «ولاية السودان» والشيخ صديق علي البشير أمير جماعة الإخوان المسلمين، فصيل «الإصلاح» بالسودان، والدكتور حسن عووضة كشكش رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة النيلين، ما جمع بين الشيوخ الأفاضل الثلاثة هو استنكارهم- من حيث المبدأ- لخطوة الرئيس مرسي بتعيين مساعدين له بينهم قبطي وإمرأة، واعتبار الخطوة عملاً مخالفاً لنهج الشريعة وروح الإسلام. ü إبراهيم الطويل وصفها بأنها ليست «التزاماً بالشرع بقدر ما هي استجابة لضغوط دولية ومحلية، وإن رأى لا مانع من استشارة غير المسلمين في مسائل تتعلق بهم، وأن وجود غير المسلمين «يمكن أن يكون في مجلس الأمة»- البرلمان- أما «المساعدون» ففي مقام المعاونين لرأس الدولة و«هؤلاء يشترط فيهم الإسلام». وأضاف أبو خليل أن «الدغمسة» التي حدثت في السودان ستحدث في مصر، وأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح «فإما أن ترضى الله إما أن ترضي الله»، والناس لا يرضون أصلاً، لكن لو أرضيت الله سيرضى عنك الناس. ü أما الشيخ صديق البشير أمير «الإخوان- الإصلاح»، فقد قال مع حبنا للرجل (مرسي) لكن الحق أحب إلينا، ونرى قرار (مرسي) غير صحيح من ناحية شرعية، لأن هذين (الصِّنفين)- النساء وغير المسلمين- «لاحظ لهم في الولاية العامة». وأنه منذ عهد الرسول وحتى سقوط الخلافة، مع أنه مرت أزمان مختلفة وبيئات مختلفة لم نعهد أن إمرأة أو نصراني قد تولى الولاية العامة، والمرأة لو كان لها حق في هذا لما منعها إياه الرسول صلى الله عليه وسلم.. واستند الشيخ صديق إلى الحديث القائل إنه «لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة» وقال إنه حديث صحيح، ولا أدري مدى صحة قول الشيخ بصحته، فقد سمعت مراراً مَنْ ضعَّف الحديث أو نفى عنه صفة العموم والإلزام وأعاده لواقعة معينة، تنزيهاً للإسلام من أن يكون قد قلل من شأن المرأة أو أنزلها منزلة دون الرجل، فآيات قرآنية كثيرة تؤكد أن المرأة والرجل قد خلقا من «نفس واحدة» وتخاطب «الذين آمنوا» من الرجال والنساء دون تفرقة.. وينتهي الشيخ صديق إلى ما انتهى إليه الأستاذ أبو خليل من أن «محاولة استرضاء الناس نهايتها معروفة، والنصوص قد أيأست الناس- خاصة الحكام- من محاولة استرضاء الناس خاصة اليهود والنصارى». ü الدكتور حسن كشكش، أستاذ الثقافة الإسلامية، يقرر- من ناحيته- أنه حتى «الاستشارة» من ناحية شرعية يجب أن تكون «للمسلمين فقط»، لأن غير المسلمين لا يألوننا إلا خبالاً.. و«الكافر»- كما قال- لا يؤتمن على أسرار الدولة الإسلامية، واستند إلى واقعة تاريخية تقول إن سيدنا عمر بن الخطاب عاتب أبو موسى الأشعري «لأنه اتخذ كاتباً نصرانياً، وتساءل الشيخ كشكش: هل مصر الآن دولة إسلامية.. وهل الحكومة المصرية حكومة إسلامية؟ وأجاب بقوله: جماعة الإخوان المسلمين في مصر جماعة إسلامية، ومن ناحية نظرية تريد تطبيق الشريعة الإسلامية، لكنهم عملياً لا يستطيعون تطبيق الشريعة الإسلامية وليست لهم مقومات الدولة الإسلامية. ü وتعليقاً على إفادات الشيوخ الثلاثة الأفاضل، نبدأ بآخر ما ورد في حديث الشيخ الدكتور كشكش، لأنه يبدو أكثر واقعية من رفيقيه الآخرين، فهو يؤكد أن «الإخوان المصريين» جماعة إسلامية- نظرياً- لكنهم عملياً لا يستطيعون تطبيق الشريعة الإسلامية وليست لهم «مقومات دولة إسلامية»، فهو هنا يقترب من تشخيص الواقع القائم في مصر من حيث التركيبة السكانية، ومن حيث غلبة الرأي العام المطالب «بالدولة المدنية» الرافض «للدولة الدينية» التي عبرت عنها الإفادات الرغائبية للإسلاميين الثلاثة التي استفتتهم الصحيفة في تعيين مرسي للنساء والأقباط.. والمتابع للحراك السياسي المصري عن قرب- كما هو حالنا- لا يحتاج لكبير جهد ليدرك أن «الإخوان» المصريين يبذلون جهداً كبيراً ومضاعفاً ويومياً لكي ينفوا عن أنفسهم «تهمة» محاولة الاستحواذ على الدولة المصرية والانفراد بالقرار فيها، وما يسميه معارضوهم «أخونة الدولة»-أي جعلها دولة إخوانية خالصة.. ü فبينما هم يبذلون كل هذا الجهد لتبرئة أنفسهم من اتهام «الأخونة» أو الرغبة في تأسيس «دولة دينية»، يرون أنها ليست أصلاً في الإسلام، وهم «الجماعة الأصل» التي تفرعت عنها كل جماعات الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي والإسلامي، يخرج علينا من أخذوا عنهم أصل الفكرة والدعوة ليزاودوا على رئيسهم مرسي عضو مكتب الإرشاد، ورئيس حزب الحرية والعدالة بأنه «أخطأ النهج الإسلامي» لأنه عين قبطياً وإمرأة مساعدَيْن له، ويطالبونه بأن يضع القبطي والمرأة في مقام أدنى، لا يرقى أبداً لتولي «الولاية العامة» باعتبارها حكراً على الرجال والمسملين دون سواهم، ويرون في ذلك «دغمسة» كالتي حدثت في السودان، والتي يجب الاعتبار بها على قول أحدهم، ولا نرى في واقع حياتنا أين هذه «الدغمسة» التي تتيح لأبناء السودان المشاركة جميعهم في الحكم وصناعة القرار سواء بسواء مع الإسلاميين.. ويرى هؤلاء أيضاً أن مرسي ارتكب خطيئة إن لم تكن «كبيرة» بمحاولته «إرضاء الناس»، وإرضاء الناس في ظن الأستاذ أبو خليل معارض ومناقض لرضاء الله، وهو فهم غريب حتى على الثقافة الإسلامية العامة التي يعرفها الجميع، والتي ترى في الخلق «عيال الله». ü لكن ما هو أهم من ذلك كله، هو أن مثل هذه المزايدات والاتهامات التي ألحقها الشيوخ الأفاضل بخطوة الرئيس مرسي تجيء بمثابة تأكيد عملي لاتهامات القائلين بإن جماعات الإسلام السياسي هي جماعات إقصائية ومتطرفة وتريد إقامة «دولة دينية» تجعل من المواطنين غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية، إن لم تكن الثالثة، وهم بذلك يقدمون حججاً جاهزة وطازجة لمعارضيهم، فمزايداتهم تشكل خصماً وليست إضافة للدعوة الإسلامية، والله أعلم.