يقولون ان السفر واحد من الاشياء التي تعرفك بحقيقة من ترافقهم وهذه حقيقة فالسفر يمكنك من الجلوس لايام وليالي مع من تسافر معهم والتعرف على اشياء كثيرة من اقوال ومواقف ومشاهد تعايشها وترى خلاله كيف يتعامل الآخر مع كل موقف وقد قدر الله ان نترافق انا والشهيد الاستاذ فتحي خليل منتصف التسعينيات في رحلة شاقة امتدت لاكثر من اسبوع ذهبنا فيها الى دولة العراق ضمن وفد حكومي جاءت تشكيلتة من الاستاذ فتحي خليل نقيب المحامين و الاستاذ محمد سعيد معروف نقيب الصحفيين حينها والمعلق السياسي الاشهر وقتها الرائد يونس محمود وحاكم غرب دارفور حينها محمد احمد الفضل والاستاذ على جرقندي النعيم الامين العام لديوان الحكم الاتحادي وقد احسست منذ اول لحظة ونحن في المطار انني اعرف فتحي لانه شخص مختلف لا يحتاج الدخول الى اعماقه الى جهد فقلبه مفتوح ولديه قدرة مدهشه تجعلك تقترب منه وتستمع اليه وتألفه وهذا ما حدث، ومن هذا الاحساس جلست بجواره في الطائرة المتجهة الى دمشق فالذهاب الى بغداد لم يكن ايامها مسموح بالطيران بحكم الحصار المفروض على العراق في اعقاب الضربة الامريكية لملجأ العامرية وهذا ما ساعود اليه في سياق حديثي هذا .... وكنت اتبادل معه الحديث خلال الرحلة فاحسست بأن الرحل رجل استثنائي فهو يتحدث بتواضع كأنه محام صغير وليس النقيب وعندما وصلنا الى مطار دمشق ومر كل الوفد من السلطات الامنية الا انا ، فالسلطات هناك لها إجراءات مشددة مع كل اعلامي يدخل دمشق حيث يتم اخضاعه لرقابة وقيود في الحركة لا يفلت منها احد. وحينها رفض خليل ان يمضي الوفد دون مروري معهم واخذ يحاججهم بان الوفد عابر طريق وغير مقيم ساعة واحدة في دمشق مما أقنع السلطات السورية الحساسة من الاعلاميين... وبعد خروجنا من المطار مازح خليل الرائد يونس محمود بقوله انهم لا يعرفون انك الاعلامي الذي يملأ الدنيا ضجيجاً كل يوم من خلال الاذاعة وبالفعل غادرنا سوريا بعربة الى الاردن وكان خليل خلال الرحلة يتحدث عن الهموم العربية ونحن نمر بدول مثل لبنان من بعيد ويتحدث عن اشواق اسلامية يتمنى ان تتحقق في فلسطين فالرجل مهموم بالقضايا العربية والاسلامية بشكل مذهل غير منغلق في هموم السودان وكان يتحدث عن المشروع الحضاري السوداني كثيراً ويجتر مع ود الفضل ذكريات الايام الخوالي ايام الاحلام قبل الوصول للسلطة وهو من الذين يحفظون التاريخ بشكل مذهل فله ذاكرة كمبيوترية تحكي عن المشاهد بدقة متناهية وبشكل جذاب يخفف عليك وعثاء السفر ومضينا هكذا حتى وصلنا الاردن وامضينا ليلتنا هناك وقدر الله ان اكون انا وخليل في غرفة واحدة واشهد والرجل الآن في ذمة ربه اني كنت اندهش من مواقفه فهو لا يمد يده للطعام قبل ان امد يدي انا ويقول انة تأدب ألا يسبق الاخرين للطعام وكان كريماً جداً يقسم ان يدفع للخدمات رغم انها بالعملة الصعبة وعندما أحتج على ذلك كان يقول كثيرها وقليلها زائل ... وبرغم إرهاق السفر أمضى ليلته بالفندق في الصلاة وتلاوة القرآن حتى جاء الصباح وإستغل وفدنا بصاَ سفرياً من الأردن إلى العراق في رحلة إمتدت 18 ساعة وعندما دخلنا بغداد فوجئنا بالاستاذ السمؤال خلف الله ينتظرنا ويدعونا الى المركز الثقافي الذي كان يديره وبصولنا للمركز وجدناه ممتلئاً بالسودانيين ووجدنا لافتة مكتوب عليها اسماء الوفد كمتحدثين في ندوة عن الاوضاع بالسودان فأخترنا للمهمة بعض منا وكان حديث فتحي خليل ودفاعه عن السودان قويا ومقنعا ولم يتمكن الوفد من لقاء قيادات العراق في زمان صدام الذي كان نظاماً عسكرياً يحسب حتى انفاس الناس.. المهم زرنا بمقترح من فتحي خليل ملجأ العامرية فالرجل كان مهموماً بحقوق الانسان و مدافعاً عنها..زرناه برغبته منه فشاهدنا فيه العجب ووقفنا على فظائع الجرائم الامريكية التي ارتكبت في حق كل من لجأ الى الملجأ المقام تحت الارض للإحتماء به والذي حولته القذائف التي اطلقتها القوات الامريكية الى جهنم فاحترق واختنق من كانوا فيه من المواطنين ، وشاهدنا جلود وشعر بعضهم ملتصق بحوائط وجدران الملجأ الداخلية بعد ان زادت عليهم النيران وهكذا عدنا الى ارض الوطن بعد ايام وايام تعلمنا خلالها الكثير من فتحي خليل الانسان المتفرد عفيف اليد واللسان..المهموم بالناس كل الناس.لك الرحمة فقد كنت كبيرا في كل شئ.