فتحي خليل – ما الذي يمكن ان أقوله عن هذا الرجل الشفيف النظيف في مثل هذا اليوم، ان كل الكتابات سوف تتشابه اليوم وكل الكلمات سوف تتطابق ففتحي واحد والناعون كثر – واحد – فتحي – بطباعة وصفاته ومتوحد ظاهراً وباطناً – فتحي هو القيادي الوحيد في السودان والذي يمكن ان تنظر إليه من الداخل ومن الخارج في آن واحد فليس للرجل ما كان يخفيه أبداً. آخر تواصل بيننا كن يوم أن هاتفته وأنا أرجو مشاركته في برنامج لقناة أم درمان الفضائية حادثني هاشاً باشاً كعادته:- أووو بكري بطل ندوة عطبرة! وكان لذلك حكاية لا يزال يذكرها طلاب وأساتذة جامعة وادي النيل ولفيف من سكان عطبرة وولاية نهر النيل حينما صحبت الأستاذ فتحي خليل – وكان يومها نقيباً للمحامين للتحدث في ندوة عن قرارات محكمة الجنايات الدولية في مواجهة مولانا احمد هارون والي جنوب كردفان الحالي. أحسست بأمان شديد يومها الي جوار فتحي خليل وأمنته نفسي وطقفت أتحدث عن ضياع سيادتنا علي حلايب والفشقة والشريط الحدودي بين حلفا وأسوان وقلت للحضور في حضور فتحي ان ضياع الأرض اقسي من القبض علي إنسان وان كنا نرفض ونستنكر ذلك وقلت في الحزب الحاكم يومها ما لم يقل فيه مبارك الفاضل وقال فتحي بالحرف الواحد أنه مسؤول عن حمايتي وسلامتي حتي الخرطوم – عدنا من عطبرة يومها وأنا أكثر صلة وقرباً من فتحي خليل الإنسان والقيادي من طراز نادر وقليل واخشي ان أقول طراز انقرض باستشهاده! قبل أشهر قلائل كتبت مقالاً عنه بعنوان (صاحب الزبدة) وذلك بعد ان حرم علي مسؤولي حكومته في الشمالية جلب طعام فاخر علي حساب الولاية أثناء الدوام وضرب المثل بنفسه إذ أصبح لا يتناول سواء الزبادي بالرغيف فاتصل بي معاتباً وقال ضاحكاً: أنا سيد الزبدة اعمل بها ذي ما عايز! أما آخر مواقف فتحي خليل النبيلة وبعد التقشف عزمه الحضور من دنقلا للخرطوم بالبص مع المسافرين ومن بعد ان يقطع تذكرته بنفسه – يومها هاجت المراسم وضجت العلاقات العامة بالولاية وغضب فتحي والغي السفر واقسم أنه لن يسافر للخرطوم لأمر خاص بعربة الحكومة فإما بالبص مع المسافرين وأما التأجيل. ولقد شهدت بأم عيني – والله علي ما أقول شهيد – والرجل وديعة السماء الآن عند مليك مقتدر – كيف انتقض يوماً وأرغي وأزيد وبعض منظمي ندوة يأتونه بظرف فيه مبلغ من المال نظير حديثه في تلك الندوة واقتطاعه من زمنه الخاص- هاج فتحي يومها وأنقلب لإنسان مختلف عن ذلك الشفيف والرهيف الحس والإحساس فللرجل حساسية علية تجاه كل ما لا يطمئن إليه قلبه حتي فزع منظمو الندوة وزاغت أبصارهم واقبلوا علي بعضهم يتلاومون! ان أعظم شهادة تاريخية تقدم في شأن فتحي خليل الدبلوماسي الذي ضل طريقه للقانون – يمكن ان يقدمها الاستاذ غازي سليمان المحامي فلكم كان فتحي يتكبد المشاق ويلاقي العنت وهو يقوم بواجبه تجاه المحامين السودانيين لا سيما المعارضين منهم – عندما كان نقيباً- في وجه نظام هو جزء منه وسلطات لا يختلف معها في تقديراتها العامة ولكنه الإحساس العام بالمسؤولية تجاه من كان يتولي مسؤوليتهم. ان كان ثمة مشوار واحد لم أقم به في عملي فهو الوعد المتكرر مني للسيد والي ولاية الشمالية الراحل الأستاذ فتحي خليل والذي وعدته مراراً وتكراراً بزيارته في دنقلا ولكن اخلف الوعد الصادق جبن الزمان وكان الأجل أسرع من الترتيب علي الطريق الثالث. اللهم هذا هو فتحي خليل بين يديك وأنت اعلم به منا ولكنا نشهد بما أطلعتنا عليه – شفيفاً كالثوب الأبيض ونقياً كالماء الصافي- صادقاً كما وعد الصادقين – وفياً – مخلصاً – أميناً - محترماً – عف اللسان- يا الله – يا الله فتحي عندك أكرمه وارض عنه برضا أهله وأصحابه وإخوانه وزملائه انك نعم المولي ونعم المجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله وأنا لله وأنا إليه راجعون. نقلا عن صحيفة ألوان السودانية 16/9/2012م