الجزيرة العربية: إنتشرت اليهودية في الجزيرة العربية خاصة في الحجاز، وقد بدأ الإنتشار بهجرة بعض العائلات اليهودية، هروباً من حالة الإضطراب السياسي في وطنهم، فغزو (نبوخذ نصر ليهوذا)، ثم غزو (السلوقيون) ثم حكم الرومان وبخاصة في أيام بومبي وفسبسيان أسرته وهادريان، كل هذه الظروف التي مر بها اليهود دفعتهم إلي الهروب إلي الصحراء التي جاء منها آباؤهم الأولون، والتي جاء إليها بولس بعد تجديده: وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً.(غلاطية1/17:) وكانت المدينة أو يثرب موقعاً لإستقرار قبيلتين يهوديتان مهاجرتين هما بنو النضير وقريظة، وكان اليهود يتمتعون بالحرية والإستقلال، ولكنهم أصبحوا فيما بعد تابعين للأوس والخزرج، أذ قضي عليهم في أوائل القرن السابع الميلادي، ولقي يهود خيبر نفس المصير، وهناك بعض القبائل العربية التي تهددت مثل حِمير وكُندة من نسل قحطان، وكانت حِمْير من الجنوب، وكُندة وسط الجزيرة العربية. وقد قبلت هذه القبائل المسيحية، وكان العرب الموجودين في يوم الخمسين كما جاء في الثاني من أعمال الرسل ربما يهود وربما متهودين من القبائل العربية، وقد آمن بعضهم بالسيد المسيح، وحملوا معهم مسيحيتهم إلي البلاد العربية، وأقاموا لمسيحيتهم خيمة وسط خيامهم يتعبدون فيها، وتنتقل معهم في رحلات الشتاء والصيف. وقد دخلت اليهودية اليمن قبيل القرن الثالث الميلادي علي الأرجح، ولكنها لم تصل إلي أوج قوتها إلا بعد القرن الثالث عندما أصبح أميرها (ذو نواس) شديد التعصب لليهودية، حتي أنه هاجم الأوس والخزرج في يثرب ليحرر اليهود من بني النضير وقريظة من نيرهم، كما أوقع ذو نواس في نجران المسيحية بالمسيحيين إضطهاداً قاسياً مريراً كان سبباً في إستشهاد آلاف من مسيحي نجران، كما كان سبباً في سخط إمبراطور بيزنطة المسيحي عليه وأيضاً نجاشي الحبشة وفي هذا كان القضاء علي مملكته وأسرته. وفي السيرة النبوية لإبن هشام وطبقات إبن سعد، ما يدل علي أن اليهود كانوا يتدارسون دينهم في دار ندوة لهم تسمي(المدارس) وأنهم كانوا يقرأون التوراة والمشنة والزابور بلغتهم القديمة العبرية، ولكنهم أتخذوا العربية لغةً يوميةً لهم، ونظم لبعضهم شعراً عربياً، ويذكر عن ورقة بن نوفل، إبن عم السيدة خديجة أولى زوجات الرسول الكريم، أنه كان يقرأ العبرية لغة اليهود، وفي روايةٍ أخري أنه كان يقرأ بلسان عبراني، وهذا ثابت في أغلب كتب السيرة النبوية الشريفة، وهو من أكابر الحنيفية، وكان ينقل أجزاء من التوراة إلي اللغة العربية، وكان علي علاقة حميمة بالرسول الكريم، ويري البعض أنه عن طريق اليهودية تسربت إلي العرب أفكار اليهودية اللاهوتية عن خلق الدنيا والحساب بعد الموت، وقصة الخليقة، والعصيان، وهابيل وقابيل، ونوح وسفينته. الذين هادوا: ويري البعض أن كلمة يهود جاءت من كلمة (هاد) أي تاب ورجع، وقد ذكرهم القرآن الكريم بأنهم الذين هادوا، وأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقال الشهرستاني: هاد الرجل هاد، أي رجع وتاب وإستغفر ربه، وأنه لزمهم هذا الإسم لقول موسي النبي: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) سورة الأعراف156). واليهود هم أمة موسى، وهم أبناء يعقوب، الذي غير الله إسمه إلي (إسرائيل) وكتاب اليهود هو التوراة وهو كتاب نزل إلي السماء، وعند إبن المنظور في لسان العرب سميت اليهود هادوا أي تابوا، وهوّد الرجل: حوله إلي ملة اليهود، والتهويد أن يصير الإنسان يهودياً. ويقول الراغب الإصفهاني: قال بعضهم يهود في الأصل من قولهم (هدنا إليك) وأن اليهود عقيدة وشريعة، وحسب الشريعة الإسلامية اليهود أهل كتاب، وقد عوملوا علي هذا الأساس لولا أنهم غدروا وتآمروا وأنتهوا حالياً إلي الصهيونية، وليس في الإسلام إلا الرِّضا عن اليهود كدينٍ، أما الصهيونية فهي غير مقبولة كحركة سياسية ضغطت علي شعب فلسطين وأخرجتهم من بلادهم وسيطرت هي. ولقد عقد الرسول الكريم مع اليهود بعد هجرته إلي المدينة إتفاقية عرفت بأسم (الصحيفة) ولكنهم نقضوها وتعاونوا مع كفار قريش، وقد عومل اليهود في بلاد المسلمين أحسن معاملة، وتعرضوا مع المسلمين إلي الإضطهاد والنفي من الأندلس وأسبانيا، ويذكر الأدب الإسلامي عطف الرسول الكريم علي يهودي مُسِّن وأمر له بمعاش من بيت مال المسلمين، ويذكر أنه ترك درعه عند يهودي رهن علي قرض، ويذكر عن عمر بن خطاب أمره بصرف مال من بيت المال إلي يهودي ضاقت به الدنيا، ولقد عاش اليهود في الجزيرة العربية وأثروا وتأثروا.