ü في حواره مع الزميلة «الصحافة» نشرته أمس الأول (السبت) أدلى الأستاذ محمد الحسن الأمين رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني الاتحادي- (البرلمان)- بجملة من الإفادات المهمة، تمثل وجهة نظره وربما وجهة نظر العديد من أعضاء البرلمان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، واستوقفني من بين تلك الإفادات على وجه الخصوص رده على السؤال المتعلق بالمؤسسات والشركات الاستثمارية الخاصة بالأجهزة النظامية الأمنية- الشرطة، الجيش والأمن- مثلما لفت انتباهي تشخيصه الواقعي لحالة البرلمان الراهن وضعفه في مواجهة السلطة التنفيذية لأسباب ومبررات ذكرها سنتناولها في ختام هذه «الإضاءة». ü قال محمد الحسن الأمين: إن الدولة لديها لجنة للتخلص من المرافق العامة، والأخ الرئيس مهتم شخصياً بهذه المسألة.. وأنا بصفتي رئيساً للجنة الأمن والدفاع، وقفت على استثمارات بعض الوحدات التابعة للقوات المسلحة أو الشرطة، وأعلنت بإشارة عبر الإعلام بأن هذا ليس المجال، ولدينا الآن نقص في القوة، ونريد أن ننمي القدرات وتوجيه كل الطاقات للمجال العسكري، ولا نريد أن ينشغل الجندي أو الضابط بأي عمل استثماري، وإذا كان لديه نقص نسده له، لكن يجب أن لا يفتح «كمينة»- طوب- أو يتاجر بسكر أو يشتري سمسماً، فهذا ليس عمله، فأنا ضد «الفروع الاستثمارية» في الأجهزة الأمنية.. والآن «الاحتياطي المركزي» لديه مزارع للأبقار والدواجن وقام بتفريغ عقيد لإدارتها، وفي وادي سيدنا- وهي منطقة عسكرية- فتحوا مصانع للطوب «البلوك»، فلا يمكن أن ننشيء هذا المصنع في منطقة عسكرية، وهناك شركة أخرى تتاجر في السكر وتدخل في مشكلات مع المواطنين، وهناك شركة أخرى تشتري المحاصيل بأحجام كبيرة، فهذا ليس عمل هذه الأجهزة. ü عندما سأله محاوره المحرر عما إذا كانوا شرعوا- في البرلمان- في معالجة حقيقية وعملية أم أن الأمر مجرد كلام.. كان رد السيد الأمين لا يخلو من دبلوماسية، فقال: نحن نعمل في ذلك الآن، وهي مسألة مستمرة، ونحن نتحدث ونتابع ونرفع التقارير، وهذا جزء من الحملة بأن «تتقلص هذه المسألة» إلى أن تنتهي وكل شخص يقوم بعمله المكلف به. ü هذا الرد الدبلوماسي على سؤال المحرر عن «المعالجة الحقيقية والعملية» لمخالفات جوهرية لسياسة الدولة المعلنة، تكمن علته في موقع البرلمان- المجلس الوطني- ذاته في منظومة سلطات الدولة الثلاث- التشريعية والتنفيذية والقضائية- كما سيتضح لاحقاً في هذه «الإضاءة» من خلال أقوال رئيس لجنة الأمن والدفاع التي سبقت الإشارة إليها. ü اتفق المحرر والأمين إلى أن مردّ انخراط الأجهزة الأمنية والدفاعية والشرطية في العمليات الاستثمارية والتجارية يعود- بالدرجة الأولى- إلى ما وصفاه «بالعجز المالي الكبير» الذي تعاني منه الدولة، ولكن الأمين أوضح أن هذا العجز يجب أن لا نسده بالاستثمارات بل نسده بالموازنة العامة.. وكان على الأمين- بحكم موقعه- أن يوضح بالأرقام النسبة التي تحصل عليها هذه الأجهزة مقارنة بخدمات أخرى كالصحة والتعليم ومحاربة الفقر، وقسمة الموازنة في هذا الصدد هي «قسمة ضيزي» كما يعلم الجميع، ومع ذلك تنخرط هذه الأجهزة في الاستثمار والتجارة ليس «لتسد العجز» ولكن لتستثمر المال الوفير الذي بين أيديها، والسلطة التي تمكنها من إصدار الرخص وحيازة الأراضي من أجل مشروعاتها وتعظيم مكاسبها. ü محمد الحسن الأمين (المحامي) وبحكم ثقافته القانونية، التفت مشكوراً لهذه المخالفات، وأوضح بعض أبعادها، وأشار «بلطف» إلى أن هذه «الأجهزة الأمنية تتخطى سلطتها أحياناً بعض القوانين، بحكم أنها تحمل سلطة في طياتها»، وهذه الإشارة «اللطيفة» يمكن للقاريء المدقق والمتمعن أن يفهم «هذا التخطي للقوانين» باعتباره فتحاً لأبواب الفساد، إذ أن مثل هذه المشروعات الاستثمارية والتجارية التي تقوم بتسييرها أجهزة نظامية غالباً ما تكون خارج الرقابة والمراجعة الدورية، التي يقوم بها ديوان المراجع العام أو الهيئات المنوط بها مكافحة الثراء الحرام. وبهذه المناسبة، فإن استثمارات القوات المسلحة المصرية والأجهزة الأمنية والشرطية في مصر، قد أصبحت مشكلة تواجه الدولة المصرية بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك، وتكشَّف بعد ثورة 25 يناير 2011، إن منظومة الاقتصاد المحتكرة للقوات المسلحة وحدها تبلغ نحو (40%) من جملة أنشطة الاقتصاد المصري، وتحول الأمر إلى أزمة مركبة ومعقدة لا يعرف الإخوة المصريون ماذا يفعلون لحلها، خصوصاً وإن هذا النشاط لم ينحصر في «الإنتاج الحربي والتسليح» كما هو متوقع أو مفترض، بل تمدد للأنشطة المدنية كالعمران والإسكان والزراعة وإنتاج الغذاء وكثير مما ليس له صلة بعمل «العسكر والشرطة».. واتضح أيضاً أن المستفيد الأول، وربما الأخير، من هذه الأنشطة الاستثمارية والتجارية والصناعية هم قلة قليلة من الضباط ذوي الرتب العليا والمتنفذين ذوي الحُظوة لدى أهل السلطة وصناع القرار في النظام السابق. ü أما عن «البرلمان» ودوره بوصفه «جهازاً رقابياً» فيقول الأستاذ الأمين: إن البرلمان مكون في معظمه من «المؤتمر الوطني» وكذلك الحكومة، وأن «الوطني» هو حزب يحاسب عضويته، فالمثلث هذا قد يكون أفضل إذا كان في السودان نظام الحزبين المتنافسين، لكن الآن بوجود المؤتمر الوطني يبقى أننا «ملزمون بقرار الحزب»، صحيح تتم محاسبة، لكن يبقى من الأفضل أن «ترفع عبر الحزب وليس عبر البرلمان» حتى لا تسبب خللاً في ثقة الحكومة وهي حكومة المؤتمر الوطني. ويعترف الأمين- صراحة- أن «هذه العلاقة تضعفه»- أي تضعف دور البرلمان كجهاز مهمته الرقابة والتشريع- ويفسر ذلك بقوله: «لأن برلمان الحزب الواحد دائماً ليس قوياً وهذه نظرية طبيعية، وهذا البرلمان ليس مثل البرلمان المكون من حزبين أو فيه حزب يعارض معارضة قوية ويسعى لتولي السلطة عبر الديمقراطية». ü إلى هنا تكفينا اعترافات الأستاذ محمد الحسن الأمين، الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني الاتحادي حول طبيعة «البرلمان»، وتشخيصه لأسباب ضعفه التي لا تحتاج لمزيد من الشرح والتوضيح، وبالتالي نفهم لماذا لم يتمكن البرلمان من لعب دوره في كبح جماح الاستثمارات والتجارات التي تقوم عليها الأجهزة النظامية، ونشكرهُ على هذه الشفافية والأمانة!