الكيانات الثقافية هي المواعين التي تمثل الجهات الثقافية المختلفة بين لافتاتها التي تعبر عن موضوعها، ولكنها متعددة.. فهل تعدد الكيانات الثقافية السودانية يمثل خطراً على الثقافة السودانية بتشرذمها؟ أم أن من التعسف بأن نحكم عليها بذلك في ظل الأطروحات الفكرية المختلفة ووجود الحق الإنساني الطبيعي في التعددية.. وهل صوغ كل هذه الكيانات في وحدة واحدة من شأنه أن يجعلها في هيكلة النظام الشمولي الذي يدجن الفكر والثقافة لمصلحته؟. أسئلة عديدة حملتها (آخر لحظة)، وهي تحقق في الأمر مع بعض الأدباء والكتاب والمعنيين بالفعل الثقافي حول ظاهرة تعدد الكيانات الثقافية ومدى إيجابياتها والسلبيات فيها.. والى أي مدى تكون علاقة المثقف بالسلطة وانعكاس نتائجها.. والتعددية هنا بمعنى ثنائية اللافتة الواحدة للكيان. البعض يرى أن الكيانات الثقافية تضعف العمل الثقافي من حيث تشتيت الجهود وعدم وحدة العمل، فيسقط الاهتمام على الجزء ويترك الكل، وإن هذا المشهد يشابه المشهد السياسي للأحزاب ككيانات سياسية أصابها التشرذم فضعفت رغم أن الأهداف والمواضيع متشابهة ومتقاربة. الأستاذ محمد الهمشري باحث ومهتم بالفعل الثقافي: يرى أن النظرة لهذا الموضوع تحتاج الى عمق في التفكير لما هو مؤثر في المنتوج الثقافي، وهل هذا التعدد يعود بالفائدة للعمل الثقافي الفكري عموماً؟ أم أنها ظاهرة طبيعية صحيحة؟ وأردف قائلاً: إننا أولاً لا نعيش في وضع سياسي يهيء للعمل الثقافي، لأن هناك تضارب في رؤية الدولة للعمل الثقافي كدولة شمولية، وفي ذات الوقت نتحدث عن حراك ديموقراطي! وهذه الظروف الاستثنائية تجعل من الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في التخطيط الاستراتيجي للثقافة ومواعينها المختلفة، وقال إنها ظاهرة ليست قاصرة على الجانب الثقافي، فنجدها أيضاً في القطاعات الأخرى مثل اتحاد أصحاب العمل والنقابات الأخرى، واعتبر هذا الازدواج لميراث الدولة لتلك الكيانات الموجودة، وعدم ترتيب وتنظيم الكيانات الثقافية.. معتبراً أن هذا الحراك ثقافي وفكري وسياسي ولكنه ليس ايديولوجياً بالمعنى الأصيل، لأن في عمق منهج هذه التنظيمات افتقار حقيقي للايدولوجيات رغم حيادتهم عن ذلك.. وأشار الى أن اتحاد التشكليين مولود شرعي لقاعدة كبيرة من الفنانين التشكيليين، لكن بالمقابل هنالك جمعيات كثيرة للتشكليين.. ودعا الى ضرورة رؤية استراتيجية لتوحيد هذه المؤسسات كجسم ديموقراطي. من جانبه أيضاً تحدث الفنان التشكيلي محمد نجم الدين برجاس عن أن وجود أجسام أخرى موازية مثل اتحاد الفنانين التشكليين وجمعية التشكليليات السودانيات وجمعية المصممين السودانيين واصفاً جميعها بوحدة الفكرة والمضمون وتعمل تحت لافتة واحدة.. لذلك فهذا التشظي يضرها أكثر من أن ينفعها ويشتت جهدها وعضويتها. اتحاد الكتاب السودانيين (وجهة نظر ثانية): الأستاذ حسن عثمان حسن نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين قال: إن وجود أكثر من ماعون يستوعب الجماعات الثقافية في السودان، يمكن أن يكون موجباً في بعض الأحيان وذلك لإثراء العمل الثقافي والفكري والابداعي، وقال إن التاريخ يسجل بأن اتحاد الكتاب السودانيين هو أول مؤسسة ثقافية تجمع الكتاب السودانيين، تأسست في عام 1985م رغم أن بواكر الفكرة كانت في السبعينيات على يد الشاعر الكبير محمد المهدي المجذوب وبواسطة مجموعة من الأكاديميين والشعراء والأدباء ثم تأسس الاتحاد بعد الانتفاضة في «6» ابريل.. الازدواجية في الاتحاد جاءت بعد أن حُل هذا الاتحاد بموجب قانون حل الاتحادات الفئوية في عهد الإنقاذ، وتكوين ما يسمى بالاتحاد العام للأدباء والكتاب بعد أن اُختِيرت الخرطوم عاصمة للثقافة وجدت الحكومة نفسها في إحراج لعدم وجود كيان ثقافي يمثلها، فكان الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين الذي ولد في عام 2005م والذي قام على أنقاض ما عُرف باتحاد الأدباء السودانيين والذي كان موجوداً أصلاً بعد الانتفاضة، بالتوازي مع اتحاد الكتاب، ولم تحدث تقاطعات ثقافية حينها في العمل بينهم.. وقال الأستاذ حسن عثمان: إن التسجيل بالنسبة للجماعات الثقافية، اللائحة واضحة من حيث شروط تكوين الجماعة الثقافية بموجب قانون تسجيل الجماعات الثقافية، ومن حقها أن تتكون، ولكن هذا قد يقيد من ناحية الحراك الثقافي، وقد يكون سبباً في التشظي بإضعاف المنتوج الثقافي الكلي من حيث استقطاب المهتمين بالمناشط، ويضع الكتاب في خانة التصنيفات، وهذا يحيلنا الى علاقة المثقف بالسلطة والجدلية القائمة حولها، ورفض الأستاذ حسن تحويل هذه المجموعات الثقافية الى كنتنات وتحييزها لنظام ما أو حكومة ما.. قائلاً: إنهم يحترمون كل الكيانات الأخرى وكل يدلو بدلوه في المجال الثقافي. مجلس الكيانات الثقافية بوزارة الثقافة يوضح: الأستاذ علي كرم المستشار القانوني ومسجل مجلس الكيانات الثقافية بوزارة الثقافة أوضح ل(آخر لحظة) أن المجلس مضى بالتسجيل بحسب الموضوع والاسم ولا يعتد بتطابق الأسماء وأعزى تضارب الأسماء الى وجود مسجل للمنظمات، لهذا ظهر الاختلاف والتكرار موضحاً أن المجلس سوف يصدر في خطته القادمة لوائح تنظيم الكيانات، حتى تسيطر على عملية التسجيل، ومع الازدواجية في الموضوع والأسماء. ثم ماذا بعد!! إذاً تظل اللافتات العديدة الكيانات الثقافية التي تبدو على المشهد الثقافي، كتيارات متعددة تعمل من أجل العطاء المعرفي رغم التوجسات، بحسب التصنيفات التي تنال بعضها، ورأى البعض أنها ظاهرة صحيحة كأصل من إصول العمل الثقافي، فهل تمضي هذه الكيانات الى وحدة كاملة أم تتناسق في الأداء دون تحييد للآخر.. نأمل!