«حراس» هو المختصر الذي يفضل شباب الحركة الإسلامية إطلاقه على الحركة، ولهم في ذلك مقاصد، أهمها أن الشباب قادر على حماية العقيدة وحراسة مكتسبات المؤسسين التي حققت التغيير في المجتمع السوداني. الحركة الاسلامية السودانية وقبل مؤتمرها الثامن، أرادت أن تجعل لها مكانة خاصة في خارطتي العمل الدعوي والسياسي، لذلك خرجت باكراً عن إطار جماعة الإخوان المسلمين (المحكم) الذي يجعل منها بالضرورة (تابعاً) للجماعة، ومؤتمرةً بأمر مرشدها العام الذي ليس هو المرشد العام للجماعة في مصر التي تأسست فيها جماعة الإخوان المسلمين، على يد الإمام الراحل حسن البنا- رحمه الله- أول مرشد للجماعة التي تأسست عام 1928م ليتم إغتياله بعد ذلك على يد البوليس السياسي المصري في الثاني عشر من فبراير عام 1949م وهو في الثالثة والأربعين من عمره. خرج الإسلاميون السودانيون باكراً عن (أحكام) جماعة الإخوان المسلمين، وإن ظلت فئة تتبع للجماعة وتحمل ذات الاسم ويحمل رئيسها لقب (المراقب العام) إذ أن المرشد واحد ومقره حيث الرئاسة في مصر. شهدت الحركة الاسلامية السودانية تطورات كثيرة لم تقف عند حدود الانخراط في العمل الاجتماعي- أولاً- ثم السياسي- ثانياً- فالإقتصادي- لاحقاً- بل تعدت ذلك كله إلى فتح باب الإجتهادات الفكرية والتنظيمية حيث إهتمت الأخيرة بالهياكل والمؤسسات والسياسات والإجراءات، لذلك ظلت الدساتير متغيرة وغير ثابتة، وكذلك اللوائح المنظمة للعمل داخل هذه الحركة (المؤسسة) التي كسرت أطواق السرية لتنفتح على أبواب العلن. مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية الثامن، كان وقفة (تغيير) في الدستور والنظام الأساسي والقيادات- الأشخاص- وهو أمر يصعب حدوثه داخل المؤسسات أو المنظمات السياسية والحزبية في السودان، التي يقبض فيها (الرئيس) أو (الزعيم) على مفاصل الحزب والسلطة دون أن يفسح مجالاً لأحد، حتى إذا وقعت الواقعة وغاب الرجل الأول فجأة عن مسرح اتخاذ القرار انقسم الناس إلى جماعات تضعف الحزب أو تقسمه أو تذهب بريحه، أو تشعل نار الوراثة، في وقت عمل كثير من قادة الأحزاب إلى تحويلها إلى (طوائف) سياسية إن كانت خارج أطر الطوائف الدينية. مفاصلة الإسلاميين نهايات العام 1999م جاءت نتيجة لمذكرة العشرة- الأشهر في تاريخ المذكرات- عندما فاجأ موقعوها العشرة إجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني المنعقد في العاشر من ديسمبر عام 1998م بتلك المذكرة التي تحدثت بوضوح شديد ولأول مرة عن هيمنة الشيخ الدكتور حسن الترابي، على الأداء في الحزب بصورة تقدح في هيبة الدولة، وذهبت المذكرة إلى أبعد من ذلك بأن طالبت بتقليص صلاحياته كأمين عام للحزب، وتحويل بعضها إلى رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الحزب في ذات الوقت، وجرى الصراع المعلوم الذي أفضى في نهاية الأمر إلى قرارات الرابع من رمضان التي أصدرها الرئيس البشير في الثاني عشر من ديسمبر عام 1999م، ونتج عنها حل البرلمان بما يعني إقصاء الشيخ الترابي عن منصبه، ثم تجميد بعض مواد الدستور المتعلقة باختيار الولاة عبر كليات إنتخابية.. وقد حاول الشيخ الترابي الطعن في تلك القرارات، إلا أن المحكمة الدستورية أيدتها، ليجد نفسه في مواجهة من كان يعتبرهم (تلامذة) مخلصين. إعتبرت قيادات الحركة الإسلامية من (المفاصلة) ورأت أن تجري (بروفة) أو تجربة عملية لمؤتمر الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) من خلال تجربة التغيير في مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية التي تدفع بالمؤتمر الوطني ليكون واجهة سياسية لها. البعض يرى أن مؤتمر الحركة الاسلامية الثامن، جاء ليكون عملية (تقليم أظافر) لها حتى لا تنشبها في وجه الحزب الحاكم.. بينما يرى البعض أنه جاء ضمن منظومة التغيير الشاملة الدافعة إلى تطوير الأداء (الحركي) ليكون أكثر فاعلية من خلال وجوده في التنظيم السياسي الحاكم، أو من خلال القيادات التنفيذية (النافذة) في الدولة، أو من خلال السيطرة على مراكز المعلومات والمؤسسات الأمنية والعسكرية. إنفض المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، واطفئت أنوار المسرح، لكن الجمهور ما زال يناقش الحدث.. وسوف يظل.