هيج الأخ الأستاذ كمال حسن بخيت ذكرى موجعة ترجع لأيام المربد الذي ولى مع صاحبه البطل صدام حسين، الذي قهر الموت ومات ميتة نتمناها لكل فارس، تصدى لقيادة شعبه، كان المربد مهرجاناً للتباري الشعري الشفاف، و كان محطة استدعاء للتراث العربي الأخاذ، وحلقة تدارس لكل قضايا الأدب والشعر والرواية.. وكان إضاءة اضافية لمفهوم النقد الأدبي. كنا نلتقي هناك كبارنا بكل تلك الطفولة، و بكل طزاجة الدهشة، وانعقاد اللسان، البياتي- و بلند الحيدري- ومحمد الفيتوري- و عبد الرازق عبد الواحد- ومحمد علي شمس الدين- وضوء الشعر و نجمة القافية الشاعر محمد عفيفي مطر وكوكبة من أنضر ما أنجبت البطون العربية. كان المهرجان تحت الإشراف المباشر لصدام حسين؛ فقد كان يحضر معظم القراءات الشعرية و يهمهم طرباً للشعر النضيف. و الصور الجديدة، و ما أن يهمهم حتى تسري الهمهمة على كل القاعة التي تتسع لآلاف المستمعين. كان عدد الشعراء المشاركين يزداد كل عام، حتى بلغ في آخر مربد شارك فيه ألف شاعر من كل بقاع البلاد العربية. لعل أشعرهم أولئك الشناقيط الذين يأتون من موريتانيا. لفت نظري شعراء موريتانيا الشباب وحسن المامهم بالأبجديات الكلاسيكية في بناء القصيدة العربية؛ إضافة لسلامة لغتهم و قوة أخيلتهم ومتانة نصهم الشعري سبكاً و بناءً و تماسكاً. ذكر الأخ كمال حسن بخيت، أنني حينما اعتليت منصة الموصل وقرأت قصيدتي، وضجت القاعة بالتصفيق، أشاد بي شاعر العراق الكبير الأستاذ المجدد حميد سعيد بقوله إنه لم ير في القريب، شاعراً له القدرة في توليد المعاني مثلي وتلك شهادة لو بلغني كمال بخيت بها في أوانها، لكنت من سكان مخيم الشعر ولم أهجره كل هذه المدة؛ فأنا الآن أشرك للقصيدة لكنها تقابلني دائماً بالصد والهجران ومازلت استعطفها فتمد لسانها وتومئ إلي. أتاح لنا المربد السفر للبصرة والانتجاع إلى جيكور- قرية بدر شاكر السياب- التي غناها عبر كل دواوينه.. ودخلنا منزله وقابلنا زوجته شفيقة وابنه المهندس غيلان. وكنا عملياً أمام ميلاد انشودة المطر وعيناك غابتا نخيل، إنها أيام غرر نذكرها بكل عنفوان قوتها و شجوها.