(كانت تخاف (علي) منذ أن كسر أنوثتها وضرب بعواطف أختها عرض الحائط لصغر سنها .. ولعدم إدراكها لأنها كانت قليلة الثقافة، عديمة التجربة، فضلاً عن شخصيتها المسالمة الرقيقة، وسعيها لإرضاء والديها) .. هكذا صورَّت الأستاذة الروائية زينب السعيد في تحفتها الروائية الخالدة - قيد النشر- (بنفسج في حديقة البارود) ماسأة (بطلتها) (زهرة) التي تمردت على الهيمنة الذكورية، والحياة الزوجية الزائفة، والإدعاء الخائب والأجوف لزوجها المتسلط، بأن المرأة مكانها (بيتها) وتعود (زهرة) بعد تفوقها الأكاديمي لتكتب بكل كبرياء وشموخ على دفترها بعد انتصارها (كان يظن أنه استطاع أن يكذب علىَّ.. يخونني.. لقد أثبتت لي الأيام أنه كذب على نفسه آلاف المرات.. لذا أشكرك يا سيدي، لقد علمتني بظلمك كيف يستطيع اليمام أن يُحلق مع النسور). وكما قال مترجم رواية (جسر على نهر درينا) (سامي الدروبي) في مقدمته لكاتبها إيفو أندرتش، إن الشخصيات التي يصورها الكاتب لا تُنسى، لا أقول إنها نماذج إنسانية خالدة، فالأدب لا شأن له بالنماذج، وإنما أقول إنهم أفراد يبلغ المؤلف من الدقة والعمق والصدق في تصويرهم أنك تراهم بعين الرأس وعين الفكر معاً، ثم يظلون يصاحبون خيالك إلى الأبد، لا تنقص منهم سمة، ولا يخبو فيهم لون. ورواية زينب السعيد أشبه تقريباً برواية (جسر على نهر درينا) باعتبارها تتنفس أنساماً حزينة أسيانة، ويترقرق فيها تعبير عن موقف من الوجود والحياة قد لا يكون هو موقف التشاؤم التقليدي، لكنها على كل حال موقف من لا يستطيع إلا أن يحس بأن في الحياة والوجود (شرَّاً في ذاته، شرَّاً لا يُعلل ولا يُفهم ولا يُبرر). رواية زينب السعيد (بنفسج في حديقة البارود) تأسرك بأسلوبها الناعم أحياناً، وطوفانها الهدَّام في آحايين أخرى، وتُحلِّق وتهبط بك دون أن يطرف لك جفن وأنت تغوص في التفاصيل الدقيقة للعالم الأنثوي بكل تقلباته وآلامه وأفراحه.. والرواية بتفاصيلها البهية ستعيدنا إلى عالم الكتابة الراقي بعد أن تسربت إلى نفوسنا موجات اليأس والقنوط بسبب الإنتاج (الغث) الذي لا يسمن ولا يُغني من جوع.