تلقيت بالأمس، مذكرة حول مشروع إعداد السجل الانتخابي 2015م، في السودان، من مكتب البروفيسور مختار الأصم، نائب رئيس المفوضية القومية للانتخابات، ومن المصادفات أنني كنت أناقش أوسط أبنائي «محمد» صباح الأمس حول الانتخابات العامة القادمة، وهو خريج علوم ساسية، وتلقى دورات أساسية في عدد من المؤسسات والمنظمات، وله اهتمام بالشأن العام، ولا يتفق معي أحياناً في بعض وجهات النظر حول القضايا العامة، ولا أحاول أن أفرض عليه رأياً أو أملي عليه ما يستوجب اتباعه.. وهو يرى أن مشكلة السودان منذ الاستقلال تتمثل في الصراع على السلطة، حتى داخل الحزب الواحد، لذلك لن يستقيم ظل الحكم وعوده أعوج.. تذكرت المناقشة الصباحية، عندما أخذت في تصفح مشروع سجل الناخبين الدائم، من تقديم البروفيسور مختار الأصم، وقد جاء المشروع باللغتين العربية والإنجليزية، وقام على صيغة الإجابة على الأسئلة التوضيحية، وأولها سؤال مركب، يقوم على عدة أجزاء، وجاء بالصيغة التالية: س: إذا سأل سائل ما هي أهم قضية أو مسألة تواجه السودان اليوم «؟».. هل هي الوضع الاقتصادي والتحديات المالية «؟» أم هي التحديات الأمنية في الغرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق «؟».. أم هي الصراع على السلطة «؟». أجاب مقدم المشروع على تلك الأسئلة بأن الصراع على السلطة هو أس الداء والبلاء، والصراع على السلطة بالعنف يؤدي لعدم الاستقرار السياسي والاضطراب الأمني، وهذا يقود للتردي والضعف الاقتصادي والمالي. قدمت المذكرة وصفة علاجية تمثلت في أن نقبل تداولاً سلمياً للسلطة، وأن تتم الاستعاضة عن الصراع حول السلطة بالبندقية والمدفع، بصراع يجيء من خلال بطاقات الناخبين وصناديق الاقتراع. ويقفز سؤال جديد عن درو المفوضية القومية للانتخابات في دعم الاستقرار السلمي للسلطة، لتجيء الإجابة مختصرة في «انتخابات نزيهة وشفافة» مع ضرورة أن يرى الناس ذلك، وأن يقبل الخاسر قبل الفائز بنتائج الانتخابات. المفوضية القومية للانتخابات ترى من خلال تجربة الانتخابات الماضية في العام 2010م، أن هناك عدة أسس يجب ألا يتم إغفال أي منها في الانتخابات القادمة، تتمثل في أهمية وجود سجل دائم للناخبين، ثم العمل على منع تكرار الأسماء في السجل الانتخابي، إضافة إلى معالجة سقوط الأسماء في سجل الناخبين، إلى جانب اعتماد نظم حديثة لإثبات شخصية الناخب والتعرف عليه في السجل، وتحديد مراكز ثابتة ودائمة للسجل والاقتراع، ولذلك برز الاتجاه لإنشاء السجل الدائم للناخبين بهدف الوفاء بالمطلوبات القانونية، والملزمة للمفوضية بتحديث السجل ونشره، مع دعم أسس الحكم الراشد، بإعداد سجل حديث يتيح التسجيل لكل مواطن بلغ السن القانونية، أو لم يسجل نفسه في الانتخابات السابقة.. وهذا السجل يتيح للأحزاب السياسية التي تشكك في شفافية ونزاهة السجل السابق، الاعتراض على أية تجاوزات ترى أنها قد شابت السجل وتسجيل منسوبيها الذين سقطت أسماؤهم، أو لم يسجلوا أصلاً، إلى جانب إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة عملية تحديث السجل، كما توفر فرصة لإعادة بناء الثقة بين الأطراف التي طعنت في نزاهة الانتخابات. إذن السجل الجديد «الحديث» يهدف إلى خلق حراك سياسي وسط الأحزاب ومنسوبيها، ويؤكد تحديثه على جدية الدولة، ومصداقيتها في عملية التحول الديمقراطي للسلطة، ويعود بفوائد عدة، منها دحض جميع دعاوي تزوير الانتخابات، ويؤكد نزاهة عملية الاقتراع وشفافيتها، وإشراك الجميع في مراقبة عملية التحديث، ويشجع الأحزاب في دفع عضويتها للتسجيل إلى جانب تنمية شراكة سياسية حقيقية بين المفوضية والقوى السياسية، ويغلق الباب أمام أية شكوك حول نزاهةالعملية الانتخابية. المذكرة التي تضمنت المشروع، واضحة وفيها تفصيلات أخرى، وتؤكد مخرجاتها على جهد جبار بذله البروفيسور الأصم لإعدادها.. لكن المشكلة الكبرى التي قد تهدد المشروع بأكمله ستكون ميزانية السجل الدائم، التي قدرتها المذكرة بنحو «260» «مليون» جنيه سوداني مليار بالنظام القديم ما يعادل نحو اثنين وخمسين مليون دولار أمريكي، ليصبح التمويل أكبر عقبة تقف أمام هذا المشروع الضخم، إلى جانب عقبة أخرى أشار إليها البروفيسور الأصم هي عدم توفر الكادر المؤهل لإجراء عملية التسجيل الإلكتروني وتحديث السجل سنوياً، وتوفر القدرات الخاصة بالتعامل مع أدوات ومتطلبات التسجيل الإلكتروني وما يصاحبه من مشاكل تقنية، الأمر الذي يتطلب اهتماماً ببناء القدرات في ذلك المجال. تضمنت مذكرة البروفيسور الأصم دعوة لكل حادب على الديمقراطية ولكل داعٍ لتبادل سلمي للسلطة أن يدعم الفكرة والمشروع سعياً وراء استقرار سياسي ظللنا نحلم به منذ الاستقلال.