تذكرت ليلى وهي غر صغيرة ولم يبن للأتراب من ثديها حجمُ صغيران نرعى البهم يا ليتنا كنا صغيرين لم نكبر ولم تكبر البهمُ هذا هو حديث قيس بن الملوح وهو يهيم هيام العاشق الموله المفتون بذكرى حبيبته وابنة عمه ليلى العامرية، وقد شهر وأشتهر بذلك.. فهو قيس المجنون أو مجنون ليلى وقد قال من الشعر ما يعجز عن ابداعه الآخرون، بل يعجز عن ابداعه كل شعراء الدنيا وعشاقها، ولذلك فقد دخل هو وليلى التاريخ-تاريخ الحب والعشق من أوسع الأبواب، بل لم يدخل تاريخ الحب والشعر والهوى والهيام محب وشاعر آخر في العالم كما دخله قيس، وتفوق في ذلك على سميه قيس بن ذريح، وعلى جميل بثينة، وكثير عزة، وإذا كان جميل قد قال عن بثينة بيته المشهور: وإني لأرضى من بثينة بالذي لو أبصره الواشي لقرت بلابله بلا وبألا أستطيع وبالمنى وبالأمل المعسول قد عز نائله.. والبلابل المذكورة هنا ليست بلابل الدوح كما يظن البعض، (وقد تكون)، ولكن البلابل التي تحدثها الظنون.. ويحدثها مثل هذا الحب العام الذي كسر كل القيود، ووصل بقيس الى مرحلة الجنون، أو زعم بعضهم أنه مجنون، وهذا خطأ فهو ليس مجنوناً، ولكنه (مجنون ليلى)، وهناك رأي قد صدر في دراسة أخيرة، أن الرجل ليس مجنوناً، وهل يملك المجنون أن يقول مثل هذا الشعر الجميل، ومثل هذه الروائع التي تهز فؤاد الصخر الجلمود، وهل يملك غير العبقري الوقاد الفكر والخيال والفؤاد أن يقول: (وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر) حقا أن المجنون من اعتقد أن قيس بن الملوح هو المجنون.. بل المجنون من يصدق ذلك.