٭ حتى ذلك الذي كبته البهاء زهير في مصر ينوح كما ناح الحمام المطوق، فإن طير القطا قد استوفد زخائر العشاق وأعارهم صدق الاقتباس ليعبروا عن حنان فائق الاحساس، ولائق للعبور عبر الازمان والأفئدة. فصارت رمز الشوق، ورمز الفراق، وتوسل اللقاء. وبينما ان الشعراء الذين يحوي اسمهم «قيس» وهى تعني الشدة، فقد كانوا، الأشد قيساً. وكذلك الأكثر والأمر قياساً. ٭ حين إقتربت ساعة وداع أُمريء القيس واسمه حندج بن خجر بن الحارس آكل المرار. وحينما عاد من بلاد الروم طالباً العون من قيصر جستنيانوس، للانتقام من قتلة أبيه وقتال تلك الحيرة قال متألما: ولو أن نوماً يُشترى لاشتريته قليلاً كتغميض القطا حين عَرّسا وبدلت وقرحاً دامياً بعد صحة فبالك من نعمي تحولن أبؤُسا والوليمة دعوة طعام من العرس وتطلق كلمة عروس للذكر والانثى وكذلك زوج. وفي ذات القصيدة اذا اتينا الى سلامة ما يفهم من التعريس والعرس، واخيراً العرس الجماعي والتعريس هوالنزول للمبيت آخرالليل فقال أحدهم ألما على الربع القديم بعساسا كأني انادي او كلم أخرسا فلو أن أهل الدار فيها كهدنا وجدتُ مقبلاً عندهم ومعرسا ٭ واستمر القطا في الطيران.آخذاً على جنحه تعبير البين وشوق المحبين فقال الشاعر: ولقد بكيت على القطا إذ مررن بي وإن مثلي على البكاء جديرُ أسرت القطا هل من يعير جناجه لعلي إلى من هويت أطيرُ وحتى مائة وخمسون عاماً عن رحيل اُمريء القيس فقد استقر القطا على اوكار الحنان واغصان البين بين المحبين للقيسين المجنونين، مجنون ليلى، ومجنون لبنى، فلما تآلفت قصصيهما فقد تآلفت قلوبهما كصديقين يجمعهما ويفرقهما ما اجتمع وتفرق على القطا والغراب حتى اتفقت أبياتهما على شرك واحد فقال قيس بن الملوح: كأن القلب ليلة قبل يُعدي بليلي العامرية او يراحُ قطاه عزها شرك فبتت تنازعه ود علق الجناحُ ٭ وفي ذات القصيد فقال قيس بن ذريع: إلا يا قلبُ ويحك كن جليداً فقد رحلن وفات بها الزّميلُ فصبراً كلّ مؤتلفين يوماً من الايام عيشهما يزولُ ٭ وقال عروة بن حزام في عفراء تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدانِ كأن قطاة عُلقت بجناحيها على كبدي من شدة الخفقانِ ٭ اما قيس بن ذريح اقتفت ألسن العامية آثاره في اللغة واحتضنت مفرداته في افصيح الفصحى مما لا يذكر في غير ما نذكر مثل قول العامة كتعبير الهيام «اموت فيك» وفيها يقول قيس بن ذريح وقلبك قطٌّ ما يلين لما يرى فواكبدي قد طال هذا التضرعُ ألومك في شأني وأنت ملمة لعمري، لاجفى للمحب وأقطعُ أخبرك إني فيك ميتُ حسرتي فما فاض من عينيك للوجد مدمعُ ولكن لعمري قد بكيتك جاهداً وان كان دائي كله منك أجمعُ ٭ أما ما هو أجدر بالذكر وهو كلمة «تب» التي يقطع بها لسان العامية الامر وهى كلمة فصحى تعني القطع وفيها التباب، مثل لب ولباب- ومنها أيضاً تاب أى انقطع عن الذنب والاسم فيها توبة، التي فيها سورة التوبة بالقرآن الكريم. وتجمع على « توب» مثل عومة وعوم، ومومة ونوم، وكومة وكوم، وموجة وموج، ودومة ودوم، وأرى فيها قوم في جمعها ولكن فيها طوبة وطوب، كذلك قال الشاعر قيس بن ذريح: وهو الذي أهتدى كثيراً ليستقر تعبيره على الغراب، تارة باللوم وتارة بالتكليف فقال: لقد نادني الغرابُ ببني لبنى فطار القلب من حذر الغرابُ وقال: غداً تباعُد دار لبنى وتنأى بعد ودّ واقترابُ فقلت تعست ويحك من غراب وكان الدهر سعيك في تبابُ ٭ ومن العامية الفصحى «البوز» وهى الفم والترب للمقابر وهى جمع تربة قال الشاعر ثوبة بن حمير في ليلى الاخيلية لو أن ليلى الاخيلية سلمت علىَّ وكان حولي تربة وصفائح لسلمت تسليم البشاشة أوزقا إليها من جانب القبر صائح ٭ وتذكر الالسنة في رعاة الابل «نايف» للجمل الهادي القوي المطيع الجميل وهى لغة فصحى تطابق المراد. وتقول الالسن العامة خشّ بمعنى دخل وهى فصحى قال طرفة بن العبد البكري: أنا الرّحل الضربُ الذي تعرفونه خشاش كراس الحية المتوقدِ فآليت لا ينفك كشحي بطانه لعضبٍ رقيق الشفرتين مهنّدِ والحديث يطول.